الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } * { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } * { وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً }

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } الآية، مناسبتها لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر طاعة رسوله وكان من أهم الطاعات إحياء دين الله أمر بالقيام بإِحياء دينه وإعلاء دعوته وأمرهم أن لا يقتحموا على عدوهم على جهالة فقال:

{ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } فعلمهم مباشرة الحروب ولما تقدم ذكر المنافقين في هذه الآية تحذير المؤمنين من قبول مقالاتهم وتثبيطهم عن الجهاد فنادى أولاً باسم الإِيمان على عادته إذا أراد أن يأمر المؤمنين أو ينهاهم. والحذر بمعنى واحد قالوا: ولم يسمع في هذا التركيب لأخذُ حذرك لأخذ حذرك. ومعنى خذوا حذركم أي استعدوا بأنواع ما يستعد به للقاء من تلقونه فيدخل فيه أخذ السلاح وغيره. ويقال: أخذ حذره إذا احترز من المخوف كأنه جعل الحذر آلته التي يتقي بها ويعتصم، والمعنى احترزوا من العدو ثم أمر تعالى بالخروج إلى الجهاد جماعة بعد جماعة وسرية بعد سرية أو كتيبة واحدة مجتمعة.

وقرأ الجمهور: { فَٱنفِرُواْ } بكسر الفاء فيهما. وقرأ الأعمش بضمها فيهما وانتصاب ثبات وجميعاً على الحال، ولم يقرأ ثبات فيما علمناه إلا بكسر التاء وحكى الفراء فيها الفتح والكسر أيضاً والثبة الجماعة الاثنان والثلاثة في كلام العرب. وقيل: هي فوق العشرة من الرجال وزنها فعلة ولامها، قيل: واو، وقيل: ياء مشتقة من ثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه كأنك جمعت محاسنة، ومن قال: إن لامها واو جعلها من ثبا يثبو، مثل: حلا يحلو.

{ وَإِنَّ مِنْكُمْ } الخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } هم المنافقون وجعلوا من المؤمنين باعتبار الجنس أو النسب أو إلى الانتماء إلى الإِيمان ظاهراً ومن موصولة وليبطئن جواب قسم محذوف والقسم المحذوف وجوابه صلة لمن وقد ذهب أحمد بن يحيى إلى أن القسم وجوابه لا يكون صلة للموصول وهو محجوج بهذه الآية.

ومعنى ليبطئن: ليثبطن المجاهدين عن الجهاد، والمصيبة الهزيمة، وما يلحق المؤمن من القتل، أو تولى الادبار، والشهيد الحاضر والفضل هنا الظفر بالعدو والغنيمة. { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } هذه الجملة اعتراض بين قوله ليقولن ومعمول القول وهو قوله:

{ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ } واختلف المفسرون في معنى هذه الجملة ودخولها بين القول ومعموله.

قال الزمخشري: والمعنى كأن لم يتقدم له ومعكم مودة لأن المنافقين كانوا يوادون المؤمنين ويصادقونهم في الظاهر وإن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن. والظاهر أنه تهكم لأنهم كانوا أعدى عدو للمؤمنين وأشدهم حسداً لهم فكيف يوصفون بالمودة إلا على وجه العكس تهكماً بحالهم.

وقال ابن عطية: المنافق يعاطي المؤمنين المودة ويعاهد على التزام كلف الاسلام ثم يتخلف نفاقاً وشكاً وكفراً بالله ورسوله ثم يتمنى عندما يكشف الغيب الظفر للمؤمنين.

السابقالتالي
2