الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً } * { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } * { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً }

{ وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم } الآية، قال الزمخشري: وإذا جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: وماذا يكون لهم أيضا بعد التثبت، فقيل: وإذا لو ثبتوا لأتيناهم لأن إذا جواب وجزاء. " انتهى ". ظاهر قوله لأن إذاً جواب وجزاء يفهم منه أنها تكون لمعنيين في حال واحدة على كل حال، وهذه مسألة خلاف ذهب الفارسي الى أنها قد تكون جواباً فقط في موضع، وجواباً وجزاء في موضع، ففي مثل إذا أظنك صادقاً لمن قال: أزورك، هي جواب خاصة. وفي مثل: إذا أكرمك. لمن قال: أزورك، هي جواب وجزاء. وذهب الأستاذ أبو علي إلى أنها تتقدر بالجواب والجزاء في كل موضع وقوفاً مع ظاهر كلام سيبويه والصحيح قول الفارسي وهي مسألة يبحث عنها في علم النحو.

{ مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ } أجاز الراغب أن يتعلق من النبيين بقوله: ومن يطع الله والرسول، أي من النبيين ومن بعدهم ويكون قوله: فأولئك، إشارة إلى الملأ الأعلى.

ثم قال: { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } ويبين ذلك قوله صلى الله عليه وسلم حين الموت: " اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى " وهذا ظاهر. " انتهى ". وهذا الوجه الذي هو عنده ظاهر فاسد من جهة المعنى ومن جهة النحو، أما من جهة المعنى فإِن الرسول هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم أخبر الله سبحانه وتعالى أن من يطيعه ويطيع رسوله فهو مع من ذكر ولو كان من النبيين معلقاً بقوله: ومن يطع الله والرسول، لكان قوله: من النبيين، تفسير المن في قوله: ومن يطع، فيلزم أن يكون في زمان الرسول أو من بعده أنبياء يطيعونه وهذا غير ممكن لأنه قد أخبر الله تعالى أن محمداً هو خاتم النبيين. وقال صلى الله عليه وسلم: " لا نبي بعدي " وأما من جهة النحو فما قبل فاء الجزاء لا يعمل فيما بعدها لو قلت: ان تقم هند فعمرو ذاهب ضاحكة لم يجز. قال أبو عبد الله الفخر الرازي: هذه الآية تنبه على أمرين من أحوال المعاد، الأول: إشراق الأرواح بأنوار المعرفة، والثاني: كونهم مع النبيين. وليس المراد بهذه المعية في الدرجة فإِن ذلك ممتنع بل معناه أن الأرواح الناقصة إذا استكملت علائقها مع الأرواح الكاملة في الدنيا بقيت بعد المفارقة تلك العلائق فينعكس الشعاع من بعضها على بعض فتصير أنوارها في غاية القوة فهذا ما خطر لي. " انتهى كلامه ".

وهو شبيه بمقال الفلاسفة في الأرواح إذا فارقت الأجساد، وأهل الإِسلام يأبون هذه الألفاظ ومدلولاتها، ولكن من غلب عليه حب شيء جرى في كلامه والرفيق الصاحب سمي بذلك للارتفاق به، وعلى هذا يجوز أن ينتصب رفيقاً على الحال من أولئك أو على التمييز وإذا انتصب على التمييز فيحتمل أن لا يكون مفعولاً فيجوز دخول من عليه ويكون هو المميز وجاء مفرداً إما لأن الرفيق مثل الخليط والصديق يكون للمفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد، وإما لإِطلاق المفرد في باب التمييز اكتفاء ويراد به الجمع ويحسن ذلك هنا كونه فاصلة ويحتمل أن يكون منقولاً من الفاعل فلا يكون هو المميز، والتقدير وحسن رفيق أولئك فلا تدخل عليه من ويجوز أن يكون أولئك إشارة إلى من يطع الله والرسول وجمع على معنى من.

السابقالتالي
2