الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } * { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ أَلَمْ تَرَ } الآية نزلت في اليهود مناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر شيئاً من أحوال الآخرة وأن الكفار إذ ذاك يودون لو تسوى بهم الأرض، وجاءت الآية بعد ذلك كالاعتراض بين ذكر أحوال الكفار في الآخرة وذكر أحوالهم في الدنيا مع المؤمنين ذكر أحوالهم في الدنيا وما هم عليه من معاداة المؤمنين وكيف يعاملون رسول الله الذي يأتي عليهم شهيداً وعلى غيرهم ولما كان اليهود أشد إنكاراً للحق وأبعد من قبول الخير، وكان قد تقدم أيضاًٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ } [النساء: 37] وهم أشد الناس تحلياً بهذين الوصفين.

{ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ } الظاهر أن من الكتاب صفة لقوله: نصيباً، وأريد بالكتاب الجنس والنصيب التوراة ويجوز أن يتعلق من الكتاب بقوله: أوتوا.

{ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ } أي بالهدى وحذفه لأن الضلالة تدل عليه كما صرح به في قوله اشتروا الضلالة بالهدى. والمعنى ألا تعجب ممن أنزل عليه من الكتب الإِلهية ومع ذلك لم يتبع ما أنزل إليه وآثروا الضلالة على الهدى.

{ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } أي لم يكفهم أن ضلوا في أنفسهم حتى تعلقت آمالهم بضلالكم أنتم أيها المؤمنون عن سبيل الحق، لأنهم لما علموا أنهم قد خرجوا من الحق إلى الباطل كرهوا أن يكون المؤمنون مختصين باتباع الحق فأرادوا أن يضلوا كما ضلوهم. كما قال تعالى:وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } [النساء: 89].

وقرىء: { أَن تَضِلُّواْ } بضم التاء وكسر الضاد من أضل وقراءة الجمهور بفتح التاء وكسر الضاد من ضل.

{ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } لما ذكر تعالى أنهم أوتوا التوراة وآثروا اشتراء الضلالة، ذكر أيضاً مما يذمهم به وهو تحريف الكلم عن مواضعه. فقوله:

{ يُحَرِّفُونَ } صفة لمبتدأ محذوف وخبره الجار والمجرور قبله وحذفه فصيح كقول العرب: مناطعن ومنا أقام. وأجاز القراء أن يكون المحذوف الموصول تقديره من يحرفون فيحرفون صلة لمن المحذوفة.

{ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } الظاهر أنهم شافهوا النبي صلى الله عليه وسلم بهاتين الجملتين وخاطبوه بقولهم: { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } وهذا كلام موجّه. والظاهر أنهم أرادوا به الوجه المكروه لسياق ما قبله من قوله: سمعنا وعصينا، وانتصب غير مسمع على الحال أي واسمع حال كونك لا تسمع فيكون ذلك على سبيل الدعاء كأنهم قالوا: واسمع لا سمعت. ويجوز أن يكون غير مسمع صفة لمصدر محذوف أي واسمع سمعاً غير مسمع.

{ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } تقدم تفسير راعنا في البقرة. وليا أي فتلا، وتحريفاً عن الحق إلى الباطل. وانتصاب ليا وطعناً على المفعول من أجله أو على أنهما مصدران في موضع الحال وطعنهم في الدين إنكار نبوته وتغيير نعته.

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي لو تبدلوا بالعصيان الطاعة ومن راعنا بأنظرنا.

السابقالتالي
2