الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ } قرىء بكسر الصاد وفتحها. والمعنى بها هاهنا المزوّجات واستثنى منهن ما ملكت ملك يمين فإِنه بالملك ينفسخ نكاحها من زوجها وتحل لمن ملكها.

{ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } انتصب بإِضمار فعل وهو مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة من قوله: حرمت عليكم، وكأنه قيل: كتب الله عليكم تحريم ذلك كتاباً. ولا حجة للكسائي في دعواه إن هذا من باب الأعزاء وان التقدير عليكم كتاب الله وقدم المفعول ولا يجوز ذلك عند البصريين في باب الاغراء.

{ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } لما نص على المحرمات في النكاح أخبر تعالى أنه أحل ما سوى من ذكر وظاهر ذلك العموم. وبهذا الظاهر استدلت الخوارج ومن وافقهم من الشيعة على جواز نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها والجمع بينهما وقد أطال الاستدلال في ذلك أبو جعفر الطوسي أحد علماء الشيعة الاثني عشرية في كتابه في التفسير.

قال الزمخشري: فإن قلت: علام عطف قوله: وأحل لكم؟ قلت: على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله، أي كتب الله عليكم تحريم ذلك وأحل لكم ما وراء ذلكم. ويدل عليه قراءة اليماني كتب الله عليكم وأحل لكم. ثم قال: ومن قرأ وأحل لكم مبنياً للمفعول فقد عطفه على حرمت. " انتهى ".

ففرق في العطف بين القراءتين وما اختاره من التفرقة غير مختار لأن انتصاب كتاب الله عليكم إنما هو انتصاب المصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة من قوله: حرمت، فالعامل فيه وهو كتب إنما هو تأكيد لقوله: حرمت، فلم يؤت بهذه الجملة على سبيل التأكيد للحكم إنما التأسيس حاصل بقوله: حرمت وهذه جنى بها على سبيل التأكيد لتلك الجملة المؤسسة وما كان سبيله هكذا فلا يناسب أن يعطف عليه الجملة لحكم إنما يناسب أن تعطف عليه جملة مؤسسة مثلها لا سيما والجملتان متقابلتان إذ أحديهما للتحريم والأخرى للتحليل، فناسب أن تعطف هذه على هذه. وقد أجاز الزمخشري ذلك في قراءة من قرأ، وأحل مبنياً للمفعول فكذلك يجوز فيه مبنياً للفاعل.

{ أَن تَبْتَغُواْ } نصب على أنه بدل اشتمال من ما وراء ذلكم ويشمل الابتغاء بالمال النكاح والشراء. وقيل: الابتغاء بالمال هو على وجه النكاح.

وقال الزمخشري: أن تبتغوا مفعول له بمعنى بين لكم ما يحل مما يحرم إرادة أن يكون ابتغاؤكم بأموالكم التي جعل الله لكم قياماً في حال كونكم محصنين غير مسافحين لئلا تضيّعوا أموالكم وتفرقوا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دنياكم ودينكم ولا مفسدة أعظم مما يجمع بين الخسرانين. " انتهى كلامه ". وانظر إلى جعجعة هذه الألفاظ وكثرتها وتحميل لفظ القرآن ما لا يدل عليه وتفسير الواضح الجليّ باللفظ المعقّد ودسّ مذهب الاعتزال في غضون هذه الألفاظ الطويلة دسا خفيا إذ فسّر قوله: وأحل لكم، بمعنى بين لكم ما يحل، وجعل قوله: أن تبتغوا على حذف مضافين أي إرادة أن يكون ابتغاؤكم أي إرادة كون ابتغاؤكم بأموالكم، وفسر الأموال بعد بالمهور وما يخرج في المناكح، فتضمن تفسيره أنه تعالى بين لكم ما يحل لإِرادته كون ابتغائكم بالمهور فاختصت إرادته بالحلال الذي هو النكاح دون السفاح.

السابقالتالي
2 3