الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

{ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ } فيه محذوفان التقدير إنما قبول التوبة على فضل الله وليس ذلك على سبيل الوجوب كما ذهب إليه الزمخشري وغيره من المعتزلة. والسوء يعم الكفر والمعاصي.

و { بِجَهَالَةٍ } في موضع الحال أي جاهلين بما يترتب على المعصية من العقوبة لأنه لو تيقن العقوبة لما عصى.

{ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ } أي من زمان قريب من زمان المعصية فلا يصرون على فعلها. كقوله تعالى:وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ال عمران: 135].

{ وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } نفى تعالى أن تكون التوبة للعاصي الصائر في حيز اليأس من الحياة ولا للذي وافى على الكفر، فالأول كفرعون إذ لم ينفعه إيمانه وهو في غمرة الماء والغرق وكالذين قال تعالى فيهم:فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 85]، وحضور الموت أول أحوال الآخرة فكما أن من مات على الكفر لا تقبل منه التوبة في الآخرة فكذلك هنا الذي حضره الموت. قال الزمخشري: فإِن قلت: من المراد بالذين يعملون السيئات أهم الفساق من أهل القبلة أم الكفار؟ قلت: فيه وجهان أحدهما: أنه يراد به الكفار لظاهر قوله وهم كفار، وأن يراد به الفساق لأن الكلام إنما وقع في الزانيين والإِعراض عنهما إن تابا وأصلحا، ويكون قوله: وهم كفار، واردا على سبيل التغليظ، كقوله:وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ } [آل عمران: 97]. وقوله: فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر، لأن من كان مصدقاً ومات وهو لا يحدث نفسه بالتوبة حاله قريب من حال الكفار لا يجترىء على ذلك إلا قلب مصمت. انتهى كلامه وهو في غاية الاضطراب لأنه قبل ذلك محل الآية على أنها دالة على قسمين أحدهما: الذين سوفوا بالتوبة إلى حضور الموت.

والثاني: الذين ماتوا على الكفر وفي هذا الجواب حمل الآية على أنها أريد بها أحد القسمين إما الكفار فقط وهم الذين وصفوا عنده بأنهم يعملون السيئات ويموتون على الكفر. وعلل هذا الوجه بقوله لظاهر قوله: وهم كفار، فجعل هذه الحالة دالة على أنه أريد بالذين يعملون السيئات هم الكفار وأما الفساق من المؤمنين فيكون قوله: وهم كفار، لا يراد به الكفر حقيقة ولا أنهم يوافون على الكفر حقيقة وإنما جاء ذلك على سبيل التغليظ عنده فقد خالف تفسيره في هذا الجواب صدر تفسيره في الآية أولاً وكل ذلك انتصاراً لمذهبه حتى يرتب العذاب إما للكافر وإما للفاسق، فخرج بذلك عن قوانين النحو. والحمل على الظاهر لأن قوله: وهم كفار، ليس ظاهره إلا أنه قيد في قوله: ولا الذين يموتون، وظاهره الموافاة على الكفر حقيقة وكما أنه شرط في انتفاء قبول توبة الذين يعملون السيئات إيقاعها في حال حضور الموت كذلك شرط في ذلك كفرهم حالة الموت، وظاهر العطف التغاير.

السابقالتالي
2 3