الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

{ لاَ تَغْلُواْ } الغلو: التجاوز في الأمر. ومعنى في دينكم، أي الذي أنتم مطلوبون به لا دينكم المضلل. والظاهر أن أهل الكتاب المراد بهم النصارى بدليل آخر الآية. وقيل: يشمل اليهود والنصارى. وغلو اليهود كونهم أنكروا رسالة عيسى ونسبوه لغير رشده وغلو النصارى قول بعضهم انه الله وقول بعضهم انه ثالث ثلاثة.

{ وَكَلِمَتُهُ } فقدم الكلام عليها في قوله: بكلمة منه.

{ أَلْقَاهَا } جملة حالية أي أوجد فيها عيسى.

{ وَرُوحٌ مِّنْهُ } أي من الأرواح التي أوجدها والذين يظهران قوله: ثلاثة، خبر مبتدأ محذوف تقديره الإِله أو المعبود، ثلاثة لأنهم يثبتون الله وصاحبته وولده، تعالى عن الصاحبة والولد.

{ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ } تقدم، قوله:فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ } [النساء: 170]. وفي نصب خيراً ثلاثة أوجه، الأول: مذهب الخليل وسيبويه انه منصوب على فعل يجب إضماره تقديره وائتوا خيراً لكم الثاني: مذهب الكسائي وأبي عبيدة انه منصوب على خبر يكن محذوفة تقديره يكن هو خيراً لكم ويكن هو أي الانتهاء خيراً لكم. الثالث: مذهب الفراء ان انتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره فآمنوا إيماناً خيراً لكم وانتهوا انتهاءً خيراً لكم. والترجيح بين هذه الأقوال مذكور في علم النحو.

{ لَّن يَسْتَنكِفَ } الاستنكاف الانفة والترفع من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك من خدك ومنعته من الجري. وقيل: الاستنكاف من النكف يقال: ما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف. والنكف أن يقال له سوء واستنكف دفع ذلك السوء. وقوله:

{ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } ظاهرة أن يكون معطوفاً على قوله: لن يستنكف المسيح والمعنى ولا تستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيد الله وليس معطوفاً على قوله المسيح لاختلاف الخبر. وقال الزمخشري: فإن قلت: من ان دَّل قوله: ولا الملائكة المقربون، على أن المعنى ولا من فوقه؟ قلت: من حيث أن علم المعاني لا يقتضي غير ذلك وذلك أن الكلام إنما سيق لرد مذهب النصارى وغلوهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية، فوجب أن يقال لهم: لن يترفع عيسى عن العبودية ولا من هو أرفع منه درجة. كأنه قيل: لن تستنكف الملائكة المقربون من العبودية فكيف بالمسيح. ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة تخصيص المقربين لكونهم ارفع الملائكة درجة وإعلاهم منزلة قول القائل:
وما مثله ممن يجاود حاتم   ولا البحر ذو الأمواج يلتج زاخر..
لا شبهة في انه قصد بالجر ذي الأمواج ما هو فوق حاتم في الجود ومن كان له ذوق فليذق مع هذه الآية، قوله:وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ } [البقرة: 120] حتى يعترف بالفرق البين. " انتهى كلامه ".

التفضيل بين الأنبياء والملائكة إنما يكون بالسمع إذ نحن لا ندرك جهة التفضيل بالعقل، وأما الآية فقد يقال: متى نفى شيء عن اثنين فلا يدل ذلك على أن الثاني أرفع من الأول ولا أن ذلك في باب الترقي.

السابقالتالي
2 3