الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } * { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً } * { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً } * { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً }

قوله تعالى: { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ } عام يشمل المنافقين كبني قريظة إذ كان بينهم وبين الأنصار حلف ورضاع ويشمل الكافرين من غيرهم.

وقوله: { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني المهاجرين، ويكون: يا أيها الذين آمنوا، خطاب للأنصار وغيرهم من المؤمنين.

{ سُلْطَاناً مُّبِيناً } أي بموالاة الكفار.

{ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } قال ابن عباس: هي لأهل النار كالدرج لأهل الجنة إلا أن الدرجات بعضها فوق بعض والدركات بعضها أسفل من بعض. وقال: أبو عبيدة: الدركات الطبقات، وأصلها من الإِدراك أي هي متداركة متلاحقة. وقرىء في الدرك بسكون الراء.

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ } استثناء من المنافقين.

{ تَابُواْ } من النفاق.

{ وَأَصْلَحُواْ } أعمالهم وتمسكوا بالله وكتابه.

{ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } أي لا يبتغون بعمل الطاعات إلا وجه الله. ولما كان المنافق متصفاً بنقائض هذه الأوصاف من الكفر وفساد الأعمال والموالاة للكافرين والإِعتزاز بهم والمراءة للمؤمنين شرط في توبتهم ما يناقص تلك الأوصاف وهي التوبة من النفاق وهي الوصف المحتوي على بقية الأوصاف من حيث المعنى. ثم فصل ما أجمل فيها وهو الإِصلاح للعمل المستأنف المقابل لفساد أعمالهم الماضية، ثم الاعتصام بالله في المستقبل وهو المقابل لمولاة الكافرين والاعتماد عليهم في الماضي، ثم الإِخلاص للدين لله تعالى وهو المقابل للرياء الذي كان لهم في الماضي، ثم بعد تحصيل هذه الأوصاف جميعها أشار إليهم بأنهم مع المؤمنين ولم يحكم عليهم بأنهم المؤمنون ولا من المؤمنين، وإن كانوا قد صاروا مؤمنين تنفيراً لما كانوا عليه من عظم كفر النفاق وتفظيعاً لحال من كان متلبساً به. ومع المؤمنين أي رفقاؤهم ومصاحبوهم.

{ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } أتى بسوف لأن إيتاء الأجر هو يوم القيامة وهو زمان مستقبل ليس قريباً من الزمان الحاضر، وقد قالوا: ان سوف أبلغ في التنفيس من السين، ولم يعد الضمير عليهم. فيقال: وسوف يؤتيهم بل أخلص ذلك الأجر للمؤمنين وهم رفقاؤهم يشاركونهم فيه ويساهمونهم.

{ مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ } ما الاستفهامية في موضع نصب بيفعل تقديره أي شيء يفعل ومعناه النفي أي ما يعذبكم. وأجيز أن تكون ما نافية. والباء في بعذابكم زائدة.

{ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } قدم الشكر على الإِيمان لأن العاقل ينظر ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه، وتعريضه للمنافع فيشكر شكراً مبهماً فإِذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكراً مفصلاً، فكان الشكر متقدماً على الإِيمان فكأنه أصل التكليف ومداره.

{ شَاكِراً } أي مثبتاً موفياً أجوركم. وأتى في صفة الشكر باسم الفاعل بلا مبالغة ليدل على أنه يتقبل ولو أقل شيء من العمل وينميه.

{ عَلِيماً } بشكركم وإيمانكم فيجازيكم. وفي قوله: عليماً، تحذير وندب إلى الإِخلاص لله عز وجل.

السابقالتالي
2 3