الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } الجمهور على أنها مدنية ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر أحوال المشركين والمنافقين وأهل الكتاب والمؤمنين أولى الألباب ونبّه تعالى بقوله:أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ } [آل عمران: 195]، على المجازاة. وأخبر أن بعضهم من بعض في أصل التوالد نبه تعالى في أول هذه السورة على اتحاد الأصل وتفرع العالم الانساني منه ليحث على التوافق والتواد والتعاطف وعدم الاختلاف ولينبه بذلك على أن أصل الجنس الانساني كان عابداً لله تعالى مفرده بالتوحيد والتقوى طائعاً له، فكذلك ينبغي أن تكون فروعه التي نشأت منه فنادى تعالى نداءً عاماً للناس وأمرهم بالتقوى التي هي ملاك الأمر وجعل سبب التقوى تذكاره إياهم بأنه أوجدهم وأنشأهم من نفس واحدة، ومن كان قادراً على مثل هذا الإِيجاد الغريب الصنع وإعدام هذه الأشكال والنفع والضر فهو جدير بأن يتقى. ونبه بقوله:

{ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } ، على ما هو مركوز في الطباع من ميل بعض الأجناس إلى بعض وإلفة له دون غيره ليتألف بذلك عباده على تقواه. والظاهر في الناس العموم لأن الألف واللام فيه تفيده والأمر بالتقوى وللعلة إذ ليسا مخصوصين بل هما عامان.

{ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } المراد به آدم عليه الصلاة والسلام. وقرىء واحدة على تأنيث النفس وواحد على التذكير والنفس تذكر وتؤنث، والغالب عليها التأنيث. ومعنى الخلق هنا: الاختراع بطريق التفريع والرجوع إلى أصل واحد. كما قال الشاعر:
إلى عرق الثرى وشجت   عروقي وهذا الموت يسلبني شبابي
وفي قوله: من نفس واحدة إشارة إلى ترك المفاخرة والكبر لتعريفه إياهم أنهم من أصل واحد. ودلالة على المعاد، لأن القادر على إخراج أشخاص مختلفين من شخص واحد فقدرته على إحيائهم بطريق الأولى.

{ وَخَلَقَ مِنْهَا } الظاهر أنها منشأة من آدم نفسه ويحتمل أن يكون المعنى في قوله: منها، من جنسه لا من نفسه حقيقة بل اشتركا في الإِنسانية.

{ وَبَثَّ مِنْهُمَا } أي من تلك النفس وزوجها أي نشر وفوق في الوجود. ويقال: أبث الله الخلق رباعياً وبث ثلاثياً.

{ رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } أي كثيرة وحذف الوصف لدلالة ما قبله عليه. وقرىء وخالق وباث باسم الفاعل على إضمار وهو.

{ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } كرر الأمر بالتقوى تأكيداً الأول. وقيل: لاختلاف التعليل، وذكر أولاً الرب الذي يدل على الإِحسان والتربية، وثانياً الله الذي يدل على القهر والهيبة، بنى أولاً على الترغيب، وثانياً على الترهيب، كقوله:يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } [السجدة: 16]، وقرىء تسّألون بتشديد السين أصله تتسألون فأدغم التاء في السين، وقرىء تساءلون بتخفيف السين على حذف التاء الثانية.

قال ابن عطية: وذلك لأنهم حذفوا التاء الثانية تخفيفاً وهذه تاء تتفاعلون تدغم في لغة وتحذف في أخرى لاجتماع حروف متقاربة.

السابقالتالي
2 3