الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ } أي من جادلك فيه أي في أمر عيسى لأنه المحدّث عنه أولاً في قوله: إن مثل عيسى، والمحاجة مفاعلة وهي من اثنين وقعت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين وفد نجران.

{ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } وهو إخباره عليه السلام بولادة عيسى من غير أب وقصته إلى أن ذكر رفع الله إياه. { فَقُلْ تَعَالَوْاْ } قرىء بفتح اللام وهو الأصل وبضمها شاذاً ووجهه أنه كان أصله تعالَيُوا فنقلت الضمة الى اللام فحذفت الياء لالتقاء الساكنين. { نَدْعُ } أي يدْع كل مني ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه الى المباهلة وفي صحيح مسلم لما نزلت هذه الآية. دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي. { ثُمَّ نَبْتَهِلْ } نتضرع: قاله ابن عباس.

{ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } أي يقول كل منّا لعن الله الكاذب منا في أمر عيسى وقد طول المفسرون في قصة المباهلة ومضمنها أنه لما دعاهم إلى المباهلة وخرج بالحسن والحسين وفاطمة وعلي الى الميعاد وانهم كفّوا عن ذلك ومعلوم ان الكاذب هم النصارى وهو نظير قوله تعالى:وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [سبأ: 24]. ومعلوم ان الذي على الهدى هو محمد صلى الله عليه وسلم وأن الذين في الضلال المبين هم الكفار المخاطبون بقوله:أَوْ إِيَّاكُمْ } [سبأ: 24]، وأبرز ذلك إبراز الاحتمال كما قال الشاعر:
أيا ظبية الوعساء بين حلاحل   وبين النقاء أأنت أمْ أمّ سال
وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ومن ثم كانوا يسوقون معهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الدفع عنها بأرواحهم حماية الحوزة وحماية الحقائق وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها وفيه دليل لا شيء أقوى منه على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

{ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } الإِشارة بهذا الى قصة عيسى عليه السلام وكونه مخلوقاً من غير أب إلى سائر ما قص تعالى في أمره فليس بإِله بل هو عبد من عبيده كما قال تعالى:إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } [الزخرف: 59]، ولذلك جاء بعده:

{ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ } فحصر الإِلهية له تعالى. { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } إشارة إلى وصفي الألوهية وهما القدرة الناشئة عن الغلبة فلا يمتنع عليه شيء والعلم المعبر عنه بالحكمة فيما صنع والاتقان لما اخترع فلا يخفى عليه شيء. وهاتان الصفتان منفيتان عن عيسى عليه السلام. { فَإِن تَوَلَّوْاْ } يجوز أن يكون مضارعاً حذفت منه التاء أصله تتولوا.

السابقالتالي
2