الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ }

{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } القبول مصدر بفتح القاف وهو مصدر قبل جعل تقبّل بمعنى قبل كعجب وتعجب والباء الظاهر انها زائدة أي فقبلها قبولاً حسناً وقيل الباء ليست بزائدة فالقبول اسم لما يقبل به الشيء. كالسعوط.

{ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } عبارة عن حسن النشأة والجودة في خَلق وخُلق وإنشائها على الطاعة والعبادة. قال ابن عباس: لما بلغت تسع سنين صامت النهار وقامت الليل حتى أربت على الأحبار وقيل لم تجر عليها خطيئة. وانتصب نباتاً على أنه مصدر على غير المصدر أو مصدر لفعل محذوف أي فنبتت نباتاً حسناً.

وقرىء { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } أي ضمها إليه حالة التربية. وقرىء وكفّلها زكريا أي كفلها الله تعالى. ويقال كفل. يكفل كعلم ويعلم وكفل يكفل كقتل يقتل لغتان. وقرىء فتقبلْها وأنبتها وكفّلها على الأمر وربّها على النصب نداء منها فتكون الجمل إذ ذاك من كلام أم مريم دعت ربها بهذه الدعوات. وقرىء زكريا بالمد والقصر ويأتي الكلام في سبب تكفيل زكريا مريم. قال ابن اسحاق: كان زكريا تزوج خالتها لأنه وعمران كانا سلفين على أختين فولدت امرأة زكريا يحيى وولدت امرأة عمران مريم وزكريا نبي معصوم وهو ابن داود بن مسلم وهو من ولد سليمان عليه السلام. قال ابن إسحاق: ضمها إلى خالتها أمّ يحيى حتى إذا شبّت وبلغت مبلغ النساء بني لها محراباً في المسجد وجعل بابه في وسطه لا يرقى إليه ألا بسُلّم مثل باب الكعبة ولا يصعد إليها غيره.

{ كُلَّمَا } تدل على التكرار وتقدم الكلام عليها في البقرة والعامل فيها فعل ماض وقد جاء مضارعاً قليلاً في قول الشاعر:
علاه بسيف كلما هز يقطع   
أي قطع وقيل هنا كلام محذوف تقديره فلما صلحت للعبادة احتجبت عن أهلها في مكان بعيد منفردة للعبادة وكان زكريا يأتيها وتبناها إذ كان هو كافلها. والرزق هنا قيل: هو فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ولم يعيّن في القرآن، ولا صح تعيينه في ألسنة ولما استغرب زكريا ذلك.

{ قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } أي من أين لك هذا فأجابته بقوله: { هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي هو مسبب الأشياء وموجدها. وجوابها لسؤاله ظاهره أنه لم يأت به آدمي البتة بل هو رزق يتعهدني به الله تعالى.

{ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ } ظاهره أنه من كلام مريم عليها السلام. { هُنَالِكَ } إسم إشارة للمكان البعيد. قيل: وقد يستعمل للزمان، ولما كان المحراب مكان عبادة وكرامة لمريم.

{ دَعَا زَكَرِيَّا } فيه بأن يهب الله له ذرية طيبة ولما كان دعاؤه على سبيل ما لا تسبّب فيه لكبر سنه وعقر امرأته وكان وجوده كالوجود من غير سبب أي هبة مخصّة منسوبة إلى الله تعالى، بقوله: { مِن لَّدُنْكَ } أي من جهتك بمحض قدرتك من غير توسط سبب.

السابقالتالي
2 3