الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } * { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

{ أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ } الهمزة للإِستفهام الذي معناه الإِنكار. قال الزمخشري: ولما نصب بقلتم وأصابتكم في محل الجر بإِضافة لما إليه، وتقدير أقلتم حين أصابتكم.

و { أَنَّىٰ هَـٰذَا } نصب لأنه مقول والهمزة للتقدير والتقريع. فإِن قلت: علام عطفت الواو هذه الجملة؟ قلت: على ما مضى من قصة أحد من قوله:وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } [آل عمران: 152]. ويجوز أن تكون معطوفة على محذوف كأنه قال: أفعلتم كذا وقلتم حينئذٍ كذا. " انتهى ". أما العطف على ما مضى من قصة أحد من قوله:وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } [آل عمران: 152]، ففيه بعد وبعيد أن يقع مثله في القرآن. وأما العطف على محذوف فهذا جار على ما نقرر في غير موضع من مذهبه وقد رددناه عليه، وأما على مذهب الجمهور سيبويه وغيره قالوا: وأصلها التقديم. وعطفت الجملة الاستفهامية على ما قبلها. وأما قوله: ولمّا نصب إلى آخره وتقديره وقلتم حينئذٍ كذا فجعل لما بمعنى حين فهذا ليس مذهب سيبويه إنما هو مذهب أبي عليّ، وأما مذهب سيبويه فلما حرف لا ظرف وهو حرف وجوب لوجوب، ومذهب سيبويه هو الصحيح. وقد بينا فساد مذهب أبي علي من وجوه في كتابنا المسمى " بالتكميل ". والمصيبة هي: ما نزل بالمؤمنين يوم أحد من قتل سبعين منهم والمثلان.

قال ابن عباس: قتلهم يوم بدر سبعين وأسرهم سبعين والمثلية وقعت في العدد من إصابة الرجال.

{ قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا } هو استفهام على جهة الإِنكار والتعجب والمعنى كيف أصابنا هذا ونحن نقاتل أعداء الله وقد وعدنا بالنصر وامداد الملائكة، وأنى سؤال عن الحال والمناسب أن يكون هنا بمعنى أين أو متى، لأن الاستفهام لم يقع عن المكان ولا عن الزمان هنا إنما الإِستفهام وقع عن الحالة التي اقتضت لهم ذلك سألوا عنها على سبيل التعجُب.

وقال الزمخشري: أنى هذا: من أين هذا، كقوله:أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } [آل عمران: 37]، لقوله: من عند أنفسكم، وقوله: من عند الله. " انتهى " كلامه. والظرف إذا وقع خبراً للمبتدأ لا يقدر داخلاً عليه حرف جر غير في أما ان يقدر داخلاً عليه من فلا لأنه إنما انتصب على إسقاط في ولذلك إذا أضمر الظرف تعدى إليه الفعل بوساطة في إلا أن يتسع في الفعل فينصبه نصب التشبيه بالمفعول به. فتقدير الزمخشري أنى هذا: من أين هذا، تقدير غير سائغ واستدلاله على هذا التقدير بقوله: من عند أنفسكم، وقوله: من عند الله، وقوف مع مطابقة الجواب للسؤال في اللفظ وذهول عن هذه القاعدة التي ذكرناها. وأما على ما قررناه فإِن الجواب جاء على مراعاة المعنى لا على مطابقة الجواب للسؤال في اللفظ وقد تقرر في علم العربية أن الجواب يأتي على حسب السؤال مطابقاً له في اللفظ ومراعي فيه المعنى لا اللفظ والسؤال يأتي سؤال عن تعيين كيفية.

السابقالتالي
2