الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } هي من تمام الخطاب الأول في قوله:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [آل عمران: 102] وتوالت جعل هذا مخاطبات المؤمنين من أوامر ونواه وكان قد استطرد من ذلك لذكر من يبيض وجهه ويسود وشيء من أحوالهم في الآخرة ثم عاد إلى الخطاب الأول فقال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ }. تحريضاً بهذا الاخبار على الانقياد والطواعية والظاهر أن الخطاب هو لمن وقع الخطاب له أولاً وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتناول من يجيء بعدهم ممن يتصف بأوصافهم واللام في الناس متعلقة بأخرجت وقيل بخير وهو الأحسن.

و { تَأْمُرُونَ } ما بعده تفسير للخيرية التي في قوله: خير أمة، قال الزمخشري: كان عبارة عن وجود الشيء في زمن ماض على سبيل الإِبهام، وليس فيه دليل على عدم سابق، ولا على انقطاع طارىء ومنه قوله تعالى:وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 96]. ومنه قوله: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } كأنه قيل وجدتم خير أمة، " انتهى ". فقوله: انها لا تدل على عدم سابق هذا إذا لم تكن بمعنى صار فإِذا كانت بمعنى صار دلت على عدم سابق، فإذا قلت: كان زيد عالماً بمعنى صار دلنا على أنه انتقل من حالة الجهل إلى حالة العلم وقوله: ولا على انقطاع طارىء الصحيح انها كسائر الأفعال، ثم قد تستعمل حيث لا يراد الانقطاع، وفرق بين الدلالة والاستعمال ألا ترى أنك تقول هذا اللفظ يدل على العموم، ثم يستعمل حيث لا يراد العموم بل المراد الخصوص. وقول الزمخشري كأنه قال: وجدتم خير أمة هذا يعارض أنها مثل قوله: وكان الله غفوراً رحيماً لأن تقديره وجدتم خير أمة يدل على أنها تامة وان خير أمة حال، وقوله: وكان الله غفوراً، لا شك أنها هنا الناقصة، فتعارضا وخير مضاف للنكرة وهي أفضل، فيجب أفعل تفضيل فيجب إفرادها وتذكيرها وإن كانت جارية على جمع والمعنى أن الأمم إذا فضلوا أمة كانت هذه الأمة خيرها وحكم عليهم بأنهم خير أمة، ولم يبن جهة الخيرية في اللفظ وهي سبقهم إلى الإِيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وبدارهم إلى نصرته ونقلهم عن علم الشريعة وافتتاحهم البلاد وهذه فضائل اختصوا بها مع ما لهم من الفضائل وكل من عمل بعدهم حسنة فلهم مثل أجرها لأنهم سبب في إيجادها إذ هم الذين سنوها وأوضحوا طريقها من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً.

{ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي ولو آمن من عامتهم وسائرهم، ويعني الإِيمان التام النافع واسم كان ضمير يعود على المصدر المفهوم من آمن من كما تقول من صدق كان خيراً له، أي: لكان هو أي الإِيمان وعلق كينونة الإِيمان خيراً لهم على تقدير حصوله توبيخاً لهم مقروناً بنصحه تعالى لهم.

السابقالتالي
2 3