الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ }

{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ } الظاهر أنه خطاب للمخاطبين قبله ومنكم يقتضي التبعيض ويندرج في الخطاب جميع المؤمنين والمراد بالأمة الآمرة والناهية من يتعين لصلاحية ذلك ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكون إلا لمن علم المعروف والمنكر وكيف يترتب الأمر في إقامته وكيف يباشره فإِن الجاهل ربما أمر بمنكر ونهى عن معروف. وقد رأينا من ينتمي للصلاح يأمر أصحابه بالاجتماع لمغن شاب يغني لهم بالتغزلات والمحون وينافخ في قصبة يخرج منها أصوات فيتلذذون بذلك ويرقصون ويدور أحدهم مائة دورة وأكثر منها ويجعل أذنه عند القصبة والمغني ويتفتل في رقصه ويمشي على جنبه ملاصقاً إلى الأرض من أول الإِيوان إلى آخره ويشهد ذلك الجم الغفير والجمع الكثير ممن ينتمي إلى الإِسلام فلا ينكر أحد منهم شيئاً من ذلك وهو من أعظم المنكرات.

{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ } قال ابن عباس: هم الأمم السالفة التي تفرقت في الدين و:

{ ٱلْبَيِّنَاتُ } قال ابن عباس: آيات الله التي أنزلت على أهل كل ملة.

{ وَأُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الذين تفرقوا.

{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ } البياض عبارة عن إشراقها ونورها وبشرها برحمة الله والسواد عبارة عن ظلمتها وكمدها وخص الوجه لأنه أشرف ما في الإِنسان وإن كان البياض والسواد يعمان جميع البدن ويجوز أن يراد بالبياض والسواد حقيقتهما ويوم ظرف والعامل فيه العامل في لهم أي كائن لهم عذاب عظيم يوم تبيض.

{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ } هذا تفصيل لأحكام من تبيض وجوههم وتسود وابتدأ بالذين اسودت للاهتمام بالتحذير من حالهم ولمجاورة قوله وتسود وجوه والابتداء بالمؤمنين والاختتام بحكمهم وللعرب في مثل هذا طريقان أحدهما: انه إذا فصل شيء بشيء أو حكم بحكم وإن لم يكن تفصيلياً يجعل الآخر للأول والآخر أن يجعل الأول من السابقين للأول من الآخرين، والثاني للثاني كقوله تعالى:فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [هود: 105] ثم قال:فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ } [هود: 106] وقال بعد:وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ } [هود: 108] وفي البحر فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم الخبر محذوف للعلم به والتقدير فيقال لهم.

{ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } تقديره فيقال لهم: أكفرتم كما حذف القول في مواضع كثيرة كقوله تعالى:وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [الرعد: 23ـ24] ولما حذف الخبر حذفت الفاء وإن كان حذفها في غير هذا لا يجوز، إلا في الشعر، وقال الشيخ كمال الدين عبد الواحد بن عبد الله بن خلف الأنصاري في كتابه الموسوم " نهاية التأميل في أسرار التنزيل ": قد اعترض على النحاة في قولهم لما حذف يقال: حذفت الفاء بقوله تعالى:وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } [الجاثية: 31] تقديره فيقال لهم أفلم تكن آياته تتلى عليكم فحذف فيقال ولم تحذف الفاء فلما بطل هذا تعين أن يكون الجواب.

السابقالتالي
2 3