{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الآية الضمير في وإنه عائد على القرآن أي أنه ليس بكهانة ولا سحر بل هو من عند الله تعالى وكأنه عاد أيضاً إلى ما افتتح به السورة من إعراض المشركين عما يأتيهم من الذكر ليتناسب المفتتح والمختتم والروح هنا جبريل عليه السلام وتقدم في سورة مريم لم أطلق عليه الروح والظاهر تعلق. { عَلَىٰ قَلْبِكَ } ولتكون بنزل وخص القلب والمعنى عليك لأنه محل الوعي والتثبيت وليعلم أن المنزل على قلبه عليه الصلاة والسلام محفوظ لا يجوز عليه التبديل والتغيير وليكون عليه من التنزيل أو النزول اقتصر عليها لأن ذلك أزجر للسامع وإن كان القرآن نزله للإِنذار والتبشير والظاهر تعلق بلسان ينزل فكان يسمع من جبريل عليه السلام حروفاً عربية. { وَإِنَّهُ } أي القرآن. { لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } أي مذكور في الكتب المنزلة القديمة منبه عليه مشار إليه. { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً } أي علامة على صحته علم بني إسرائيل إذ كانت قريش ترجع في كثير من الأمور الثقيلة إلى بني إسرائيل ويسألونهم عنها ويقولون هم أصحاب الكتب الإِلهية وقد تهود كثير من العرب وتنصر كثير لاعتقادهم في صحة دينهم وذكر الثعلبي عن ابن عباس أن أهل مكة بعثوا إلى أحبار يثرب يسألونهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذا زمانه ووصفوا نعته وخلطوا في أمر محمد عليه الصلاة والسلام فنزلت الآية في ذلك ويؤيد هذا كون الآية مكية وقرىء يكن بالياء آية النصب خبر يكن وأن يعلمه أن مع الفعل بتأويل المصدر تقديره علم بني إسرائيل وهو إسم يكن وقرىء تكن بالتاء آية بالرفع وخرجه الزمخشري على أن آية إسم تكن وأن يعلمه الخبر فجعل النكرة إسم تكن وأن يعلمه المعرفة الخبر وهو عكس الإِعراب أعني جعل الإِسم نكرة والخبر معرفة وهو لا يجوز إلا في الشعر كقول الشاعر كان سبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء والأحسن في هذه القراءة أن يكون في تكن ضمير القصة إسماً لها وآية وأن يعلمه جملة في موضع خبر تكن. { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ } بلغة العجم على رجل أعجمي فقرأه على العرب لم يؤمنوا به من حيث لم يفهموه واستنكفوا اتباعه وقال الفراء الأعجمين جمع أعجم أو أعجمي على حذف ياء النسب ما قالوا الأشعريين واحدهم أشعري. { فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم } أي على العرب بلسان العجم والضمير في سلكناه عائد على ما عادت عليه الضمائر قيل وهو القرآن والمعنى مثل ذلك المثل وهو الإِدخال والتمكين والتفهم لمعانيه. { سَلَكْنَاهُ } أدخلناه ومكناه في قلوب المجرمين والمعنى ما ترتب على ذلك السلك من كونهم فهموه وأدركوه فلم يزدهم ذلك إلا عناداً أو جحوداً أو كفروا به ورؤيتهم للعذاب قيل في الدنيا وقيل يوم القيامة.