الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } * { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } * { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } * { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } * { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } * { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ } * { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } * { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } * { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } * { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } * { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } * { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } * { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي } * { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } * { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } * { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } * { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } * { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي }

{ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ } الآية أي لن نختار اتباعك وسلامتنا من عذابك على ما جاءنا من البينات وهي المعجزة التي أتتنا وعلمنا صحتها وفي قولهم: هذا توهين له واستصغار لما هدّدهم به وعدم اكتراث بقوله: وفي نسبة المجيء إليهم وإن كانت البينات جاءت لهم ولغيرهم لأنهم كانوا هم أعرف بالسحر من غيرهم وقد علموا أن ما جاءهم به موسى عليه السلام ليس بسحر وكانوا على جلية من العلم بالمعجز وغيرهم يقلدهم في ذلك والواو في والذي فطرنا واو عطف على ما جاءنا أي وعلى الذي فطرنا لما لاحت لهم حجة الله تعالى في المعجز بدؤوا بها ثم ترقوا إلى القادر على خرق العادة وهو الله وذكر وأوصف الاختراع وهو قولهم الذي فطرنا تبييناً لعجز فرعون وتكذيبه في ادعاء الربوبية والإِلهية وما موصولة بمعنى الذي وصلته أنت قاض والعائد محذوف تقديره ما أنت قاضيه ونظيره قول الشاعر:
وتصغر في عيني تلادي إذا انثنت   يميني بإِدراك الذي كنت طالباً
أي طالبه وفي قولهم فاقض أمر تحقير لفرعون وعدم مبالاة بما هددهم به وانتصب هذه الحياة على الظرف وما مهيئة وتحتمل أن تكون مصدرية أي إن قضاءك في هذه الحياة الدنيا لا في الآخرة ولم يصرح في القرآن بأنه أنفذ فيهم وعيده السابق بل الظاهر أنه تعالى سلمهم منه ويدل على ذلك قوله تعالى:أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } [القصص: 35] وإكراههم إياه على السحر حملهم على معارضته موسى عليه السلام مع علمهم أنه ليس بساحر.

{ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } رد على قوله: أينا أشد عذاباً وأبقى أي وثواب الله تعالى وما أعده لمن آمن به خير وأبقى.

{ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً } قيل هو حكاية قولهم عظة لفرعون وقيل خبر من الله تعالى لا على وجه الحكاية تنبيهاً على قبح ما فعل فرعون وحسن ما فعل السحرة وموعظة وتحذيراً والضمير في انه ضمير الأمر والشأن والجملة الشرطية بعده وجوابها في موضع خبر ان وحملت الضمائر فيها على لفظ من فأفردت وفي الجملة الآتية بعدها حملت أولاً على لفظ من فأفرد ثم ثانياً على معنى من فجمع في قوله: فأولئك لهم وجنات بدل من قوله: الدرجات ومعنى:

{ تَزَكَّىٰ } أي تطهر من المعاصي.

{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ } الآية هذا استئناف إخبار عن شىء من أمر موسى عليه السلام وبينه وبين مقال السحرة المتقدم مدة من الزمان حدث فيها لموسى وفرعون حوادث وذلك أن فرعون لما انقضى أمر السحرة وغلب موسى وقوي أمره وعده فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل فأقام موسى على وعده حتى غدره فرعون ونكث فأعلمه أنه لا يرسلهم معه فبعث الله حينئذٍ الآيات المذكورة في غير هذه الآيات كلما جاءت آية وعد فرعون أن يرسل بني إسرائيل عند انكشاف العذاب فإِذا انكشف نكث حتى تأتي أخرى فلما كملت الآيات أوحى ألله إلى موسى أن يخرج ببني إسرائيل في الليل سارياً والسري سير الليل ويحتمل أن تكون مفسرة وأن تكون الناصبة للمضارع وبعبادي إضافة تشريف والظاهر أن الإِيحاء إليه بذلك وبأن يضرب البحر كان متقدماً بمصر على وقت اتباع فرعون موسى وقومه بجنوده ويروى أن موسى عليه السلام نهض ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف إنسان فسار بهم من مصر يريد بحر القلزم واتصل الخبر بفرعون فجمع جنوده وحشرهم ونهض وراءه فأوحى الله إلى موسى أن يقصد البحر فجزع بنو إسرائيل ورأوا أن العدو من ورائهم والبحر أمامهم وموسى يثق بصنع الله فلما رآهم فرعون قد نهضوا نحو البحر طمع فيهم وكان مقصدهم إلى موضع ينقطع فيه الفحوص والطرق الواسعة قيل وكان في خيل فرعون سبعون ألف أدهم ونسبة ذلك من سائر الألوان وقيل أكثر من ذلك فضرب موسى عليه السلام البحر فانفلق اثنتي عشرة فرقة طرقاً واسعة بينها حيطان الماء واقفة فدخل موسى عليه السلام البحر بعد أن بعث الله ريح لصبا فجففت تلك الطرق حتى يبست ودخل بنو إسرائيل ووصل فرعون إلى المدخل وبنو إسرائيل كلهم في البحر فرأى الماء على تلك الحالة فجزع قومه واستعظموا الأمر فقال لهم إنما انفلق من هيبتي وتقدّم غرق فرعون وقومه في البقرة والاعراف ويونس والظاهر أن لفظة اضرب هنا على حقيقتها من مس العصا البحر بقوة وتحامل على العصا ويوضحه في آية أخرى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق والمعنى أن اضرب بعصاك البحر لينفلق لهم فيصير طريقاً فتعدى إلى الطريق بدخول هذا المعنى لما كان الطريق متسبباً عن الضرب جعل كأنه المضروب.

السابقالتالي
2 3 4 5