الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } الخارق العظيم الخارج عن مقدور البشر الموجب للاعتبار ولين القلوب. والضمير في قلوبكم ضمير وإذ قتلتم حتى نقل أنه لم حَييَ القتيل وأخبر بمن قتله قالوا كذبت. والقسوة بنوّ القلب عن الاعتبار وعدم تحركه وتأثره للمواعظ.

{ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ } أي في عدم تأثرها صلبة لا تتخلخل مع ظهور المعجزات.

{ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } فصّل ونوّع قلوبهم إلى شبه الحجارة في الصلابة وإلى أشد قسوة من الحجارة. وانتصب قسوة على التمييز ويقتضيه أشد وكاف التشبيه وهذا التمييز الذي بعد أفعل التفضيل منقول من المبتدأ وهو نقل غريب أو أشد معطوف على قوله كالحجارة من قبيل عطف المفرد على المفرد كما تقول زيد على سفر أو مقيم (ولا) حاجة إلى تقدير الزمخشري أو هي أشد فيكون من عطف الجمل ولا إلى إضمار مثل أي أو مثل أشد حذف مثل وأقيم أشد مقامه فيكون الضمير في أشد غير عائد على القلوب إذ كان الأصل أو مثل شيء أشد قسوة من الحجارة. وقرىء أو أشد بنصب الدال ويتخرج على هذا التخريج الثاني وقرىء قساوة.

ثم قال: { وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ } تبييناً ان قلوبهم لا تتأثر وإن الحجارة قد يوجد فيها ما يتأثر وانها متفاوتة في التأثر وقرىء وإن مشددة في ثلاثتها فما اسم إن دخلت اللام عليه وقرىء مخففة في ثلاثتها فاحتمل أن تكون معملة وما اسمها، واحتمل أن تكون ملغاة، نحو: إن في الدار لزيد، فما: مبتدأ خبره المجرور قبله، واللام: هي لام الابتداء لزمت للفرق أو لام غيرها اجتلبت للفرق قولان للنحاة وقول الكوفيين أنّ إنْ نافية واللام بمعنى إلا.

وقرىء { لَمَا } مخففة الميم وما موصولة بمعنى الذي وهي اسم انّ. وقرىء: لما مشددة الميم. قال ابن عطية: وهي قراءة غير متجهة. وما قاله ابن عطية لا يستوي إلا أن نقل عمن قرأ بالتشديد تشديدان فيعسر إذ ذاك توجيهها إما إن قرأ بتخفيف إن وهو المظنون به فيظهر توجيهها بأن تكون إن نافية، ولما بمعنى: الا. كقوله تعالى:إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } [الطارق: 4] في قراءة من شدد لما. ويكون حذف منه المبتدأ تقديره. وما من الحجارة حجر ألا يتفجر منه الأنهار وكذلك ما بعد هذا كقوله تعالى:وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164]. أي: وما منا أحد وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به أي وإن من أهل الكتاب أحد وحذف هذا المبتدأ أحسن لدلالة المعنى عليه إلا أنه يشكل معنى الحصر إذ يظهر من هذا التفصيل أن الأحجار متعددة فمنها كذا وإذا حصرت أنهم العموم إن كل فرد فرد من الحجارة فيه هذه الأوصاف كلها أي يتفجر منه الأنهار ويشقق فيخرج منه الماء ويهبط من خشية الله ولا يبعد ذلك إذا حمل على القابلية إذ كل حجر يقبل ذلك، ولا يمتنع إذا أراد الله ذلك فإِن كان الذي قرأ بالتشديد وإن بالتشديد فيعسر توجيهه.

السابقالتالي
2