الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

{ كَيْفَ } استفهام عن حال وهو استفهام توبيخ وتعجب وإنكار حال وقع فيها الفعل إنكار للفعل نفسه. تقول: كيف تؤذي زيداً وقد أحسن إليك. فالمعنى على إنكار اذايته في هذه الحال.

و { تَكْفُرُونَ } التفات إذ هو خطاب بعد غيبة وناسب الانكار لأن الانكار على المخاطب أبلغ من الانكار على الغائب ولعل الانكار لا يصل إليه.

{ وَكُنْتُمْ } جملة حالية ومجيىء الماضي حالاً بالواو دون قد في القرآن وكلام العرب كثير.

وقال الزمخشري: فإِن قلت: كيف صح أن يكون حالاً وهو ماضٍ ولا يقال جئت وقام القوم ولكن جئت وقد قام القوم إلا أن تضمر قد؟ قلت: لم تدخل الواو على كنتم أمواتاً وحده ولكن على جملة. قوله:

كنتم أمواتاً إلى ترجعون، كأنه قيل: كيف تكفرون بالله وقصتكم هذه وحالكم أنك كنتم أمواتاً نطفاً في أصلاب آبائكم فجعلكم أحياء.

{ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } بعد هذه الحياة.

{ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } بعد الموت ثم يحاسبكم. " انتهى ". وهذا الذي قدره حالاً من تصديره بجملة اسمية وإضمار أنكم خبراً لمبتدأ تلك الجملة تركيب غير محتاج إليه فقد ذكرنا وقوع الماضي حالاً بالواو دون قد وأنه كثير وإنما أحوجه إلى تقدير الحال جملة إسمية اعتقادان جميع الجمل مندرجة في الحال ولذلك قال البعض: القصة ماض وبعضها مستقبل والماضي والمستقبل كلاهما لا يصح أن يكون حالاً حتى يكون فعلاً حاضراً وقت وجود ما هو حال عنه فما الحاضر الذي وقع حالاً.

قلت: هو العلم بالقصة كأنه قيل: كيف تكفرون وأنتم عالمون بهذه القصة وبأولها وآخرها. " انتهى ". ولا يتعين أن تكون جميع الجمل مندرجة في الحال ولا سيما قوله:

{ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فإِنهم منكرون. البعث، والحساب وهو عندهم في حيّز المستحيل عقلاً أو عادة والتصريح بذلك موجود عندهم في غير آية من القرآن بل الحال قوله:

{ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ } ويكون المعنى: كيف تكفرون بالله وقد خلقكم. فعبر عن الخلق بذلك كقوله عليه السلام: " ان تجعل لله نداً وقد خلقك " أي أن من أوجدك بعد العدم الصرف حر أن لا تكفر به ولما كان مركوزاً في الطباع وفي العقول ان لا خالق إلا الله كانت حاله تقتضي أن لا يجامع الكفر فلا يحتاج إلى تكلف ان الحال هو العلم بهذه الجملة وعلى هذا الذي شرحناه يكون قوله تعالى:

{ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } إلى آخره جملاً أخبر الله تعالى بها مستأنفة لا داخلة تحت الحال ولذلك غاير فيها بحرف العطف وبصيغة الفعل ما قبلها من الحرف والصيغة والتعبير عن العدم الصرف بالموت مجاز وللمفسرين هنا والمنسوبين إلى علم الحقائق أقوال اخترنا منها هذا القول وهو اختيار ابن عطية.

السابقالتالي
2 3 4 5