الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ رَبِّ أَرِنِي } استعطاف بين يدي السؤال. وأرني سؤال رغبة.

{ كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } جملة في موضع المفعول الثاني لأرني إذ هي تتعدى الى اثنين بهمزة النقل. ورأى البصرية تعلق. ومن كلامهم أما ترى أي برق ضاء كما تعلق نظر البصرية. ولما قال لنمرود ربي الذي يحيي ويميت سأل ربه أن يريه عياناً كيف إحياء الموتى. والسؤال عن الكيفية يقتضي تحقق وتيقن ما سأل عنه وهو الاحياء.

{ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن } استفهام معناه التقرير أي قد آمنت. (قال) ابن عطية: إيماناً مطلقاً دخل فيه فصل إحياء الموتى. فالواو واو الحال دخلت عليها ألف التقرير. " انتهى ". وكون الواو هنا للحال غير واضح لأنها إذا كانت للحال فلا بد أن يكون في موضع نصب وإذ ذاك لا بد لها من عامل فلا تكون الهمزة التي للتقرير دخلت على هذه الجملة الحالية إنما دخلت على الجملة التي اشتملت على العامل فيها، وعلى ذي الحال ويصير التقدير أسألت ولم تؤمن أي أسألت في هذه الحال. والذي يظهر أن التقدير إنما هو منسحب على الجملة المنفية وان الواو للعطف كما قال تعالى:أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً } [العنكبوت: 67] ونحوه. واعتنى بهمزة الاستفهام فقدمت وقد تقدم لنا الكلام في هذا ولذلك كان الجواب ببلى في قوله: قال بلى. وقد تقرر في علم النحو ان جواب التقرير المثبت وان كان بصورة النفي تجريه العرب مجرى جواب النفي المحض فتجيبه على صورة النفي ولا يلتفت الى معنى الاثبات. وهذا مما قررناه ان في كلام العرب ما يلحظ فيه اللفظ دون المعنى ولذلك علة ذكرت في علم النحو. وعلى ما قاله ابن عطية: من أن الواو للحال لا يتأتى أن يجاب العامل في الحال، بقوله: بلى، لأن ذلك الفعل مثبت مستفهم عنه والجواب إنما يكون في التصديق بنعم وفي غير التصديق بلا، اما أن يجاب ببلى فلا يجوز وهذا على ما تقرر في علم النحو. قال الزمخشري: فإِن قلت: كيف قال له أولم تؤمن وقد علم أنه أثبت الناس إيماناً. قلت: ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين وبلى إيجاب لما بعد النفي معناه بلى آمنت { ولكن ليطمئن قلبي } أي ليزيد سكوناً وطمأنينة بمضامة علم الضرورة إلى علم الاستدلال وتظاهر الأدلة اسكن للقلوب وأزيد للبصيرة واليقين، ولأن علم الاستدلال يجوز معه التشكيك بخلاف العلم الضروري، فأراد بطمأنينة القلب: العلم الذي لا مجال فيه للتشكيك. انتهى كلامه.

وليس علم الاستدلال يجوز معه التشكيك كما قال بل منه ما يجوز معه التشكيك أما إذا كان من مقدمات صحيحة فلا يجوز معه التشكيك كعلمنا بحدوث العالم وبوحدانية الموجد فمثل هذا لا يجوز معه التشكيك.

السابقالتالي
2