الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } هم علماء اليهود والنصارى وهو مبتدأ خبره.

{ يَعْرِفُونَهُ } والضمير المنصوب في يعرفونه عائد على محمد صلى الله عليه وسلم. وليس كما قال الزمخشري. من أنه إضمار لم يسبق له ذكر في قوله: ولئن أتيت إلى سائر المضمرات التي جاء بها خطابه لكن الضمير في يعرفونه جاء على سبيل الالتفات وحكمته أنه لما فرغ من الاقبال عليه السلام أقبل على الناس. فقال: الذين آتيناهم الكتاب واخترناهم لتحمل العلم والوحي يعرفون هذا الذي خاطبناه في الآي السابقة وأمرناه ونهيناه لا يشكون في معرفته ولا في صدق إخباره بما كلفناه من التكاليف التي منها نسخ بيت المقدس بالكعبة لما في كتابهم من ذكره ونعته والنص عليه يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل. وقال عبد الله بن سلام: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي به صلى الله عليه وسلم أشد من معرفتي بابني واخباره منتزع من قوله:

{ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } وظاهر هذا التشبيه يقتضي أن المعرفة معرفة الوجه والصورة ودل هذا على أن الضمير في يعرفونه للرسول عليه السلام.

{ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ } هم المصرون على الكفر والعناد كتموا نعت الرسول. وهم يعلمون: حال مؤكدة ان كان متعلق العلم الحق وإن كان.

{ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ما على كاتم الحق من العقاب فهي حال مبيّنة.

{ ٱلْحَقُّ } مبتدأ خبره.

{ مِن رَّبِّكَ } أو خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق كائناً من ربك. وقرىء: الحق بالنصب بدلاً من الحق أو معمولاً ليعلمون. والامتراء الشك امترى في كذا شك فيه. والنهي عن الكون على صفة أبلغ من النهي عن تلك الصفة ولذلك كثر النهي عن الكون على الصفة التي يطلب اجتنابها في القرآن.

{ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } وقرىء ولكل وجهة بالاضافة ومولاها. ووجهة: اسم للمكان المتوجه إليه عند بعضهم. فثبوت الواو ليس بشاذ وكلام سيبويه يقتضي أنه مصدر فثبوت الواو فيه شاذ والمحذوف من كل اما طائفة من أهل الأيان أو أهل صقع من المسلمين أي جهة من الكعبة وراء وأماما ويميناً وشمالاً ليست جهة من جهاتها أولى من الأخرى وهو مبتدأ عائد على كل على لفظة أي هو يستقبلها وموجه إليها صلاته، ومفعول موليها الثاني محذوف، أي: موليها نفسه وفي قراءة مولاها الأول المستكن في مولاها، والثاني (ها). وهو عائد على الله أي الله موليها إياه واما قراءة الاضافة. فقال الطبري: هي خطأ. (وقال) الزمخشري: المعنى وكل وجهة الله موليها فزيدت اللام لتقدم المفعول كقولك: لزيد ضربت ولزيد أبوه ضاربه. وهذا فاسد لأن العامل إذ تعدى لضمير الاسم لم يتعد إلى ظاهره المجرور باللام لا تقول: لزيد ضربته. ولا لزيد أنا ضاربه الا تراهم تأولوا.

هذا سراقة للقرآن يدرسه. " وقال " ابن عطية المعنى فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ولاّكموها وهو توجيه لا بأس به.

{ فَٱسْتَبِقُواْ } أي بادروا.

{ ٱلْخَيْرَاتِ } أي الأعمال الصالحة.

{ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ } تضمن وعظاً وتحذيراً وإظهار للقدرة.

{ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً } أي يحشركم للثواب والعقاب.