الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كۤهيعۤصۤ } * { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } * { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } * { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } * { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } * { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } * { يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } * { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } * { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } * { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } * { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } * { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } * { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } * { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } * { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } * { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } * { قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } * { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } * { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } * { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً }

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * كۤهيعۤصۤ } الآية هذه السورة مكية كالسورة التي قبلها وقال مقاتل: إلا آية السجدة فهي مدنية ونزلت بعد مهاجرة المؤمنين إلى الحبشة * ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى ضمن السورة التي قبلها قصصاً عجباً كقصة أهل الكهف وقصة الرجلين وقصة موسى مع الخضر وقصة ذي القرنين وهذه السورة تضمنت قصصاً عجباً من ولادة يحيى بين شيخ فان وعجوز عاقر وولادة عيسى من غير أب فلما اجتمعا في هذا الشىء المغرب ناسب ذكر هذه الآية بعد تلك وتقدم الكلام في أول البقرة على الحروف المقطعة التي في فواتح السور بما يوقف عليه هناك وذكر خبر مبتدأ محذوف أي هذا المتلوّ من القرآن ذكر وقرىء: ذكر فعلاً ماضياً رحمة بالنصب وقرىء: ذكر فعل أمر من التذكير رحمة بالنصب وعبده نصب بالرحم أي: ذكر أن رحمة ربك عبده وذكر في السبعة كما تقدم * ورحمة مصدر لا يراد بها أنها واحدة من الرحمات لأنه إذ ذاك لا ينصب المفعول لا يجوز أن تقول أعجبني ضربه زيد عمراً لأنه إذ ذاك محدود بالوحدة فلا يعمل.

و { زَكَرِيَّآ } بدل أو عطف بيان وإذ ظرف العامل فيه ذكر أو رحمة ووصف النداء بالخفي لئلا يخالطه رياء وقيل غير ذلك.

{ قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي } هذه كيفية دعائه وتفسير ندائه ومعناه ضعف وأسند الوهن إلى العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه وهو أصل بنائه فإِذا وهن تداعى وسقطت قوته وقرىء: وهن بفتح الهاء وكسرها.

{ وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وانتشاره في الشعر وفشوه فيه ثم أخرجه مخرج الاستعارة ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس وأخرج الشيب مميزاً ولم يضف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأسه وإلى هذا نظر ابن دريد فقال:
واشتعل المبيض في مسوده   مثل اشتعال النار في جزل الغضا
{ وَلَمْ أَكُنْ } يغني فيما مضى أي ما كنت.

{ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } بل كنت سعيداً موفقاً إذ كنت تجيب دعائي فأسعد بذلك فعلى هذا الكاف مفعول وقيل المعنى بدعائك لي إلى الإِيمان شقياً بل كنت ممن أطاعك وعبدك مخلصاً فالكاف على هذا فاعل والأظهر الأول وروي أن حاتماً الطائي أتاه طالب حاجة فقال: أنا الذي أحسنت إليك وقت كذا فقال: مرحباً بالذي توسل بنا إلينا وقضى حاجته.

{ وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى } الموالي بنو العم والقرابة الذين يلون بالنسب*. وقال الشاعر:
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا   تنبشوا بيننا ما كان مدفوناً
والأظهر اللائق بزكريا من حيث هو معصوم أنه لا يطلب الولد لأجل ما يخلفه من حطام الدنيا وكذلك قول من قال إنما خاف أن تنقطع النبوة من ولده وترجع إلى عصبته لأن ذلك إنما هو لله يضعها الله حيث شاء ولا يعترض على الله فيمن شاؤه ويصطفيه من عباده وقرىء:

{ يَرِثُنِي وَيَرِثُ } بجزمهما جواباً للأمر وهو هب وبرفعهما على الصفة لقوله: ولياً والظاهر أن الإِرث يكون في العلم والدين والظاهر أن يعقوب هو ابن إسحاق بن إبراهيم.

السابقالتالي
2 3 4 5