الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ } الآية، لم تلحق تاء التأنيث لأنه جمع تكسير المؤنث ويجوز فيه الوجهان، ونسوة كما ذكرنا جمع قلة وكنّ على ما نقل خمساً امرأة خبازة وامرأة ساقية وامرأة بوابة وامرأة سجانة وامرأة صاحب دوابة في المدينة هي مصر، ومعني في المدينة أنهم أشاعوا هذا الأمر من حب امرأة العزيز ليوسف وصرحوا بإِضافتها إلى العزيز مبالغة في التشنيع لأن النفوس أميل لسماع أخبار ذوي الأخطار، وما يجري لهم وعبّرْنَ بتراود وهو المضارع الدال على أنه صار ذلك سجية لها تخادعه دائماً عن نفسه، كما تقول: زيد يعطي ويمنع. ولم يقلن: راودت فتاها، ثم نبهن على علة ديمومة المراودة وهي كونها قد شغفها حباً أي بلغ حبه شغاف قلبها الشغاف حجاب القلب وقيل سويداؤه. وقال امرؤ القيس:
أتقتلني اني شغفت فؤادها   كما شغف المهنوءة الرجل الطالي
وانتصب حباً على التمييز المنقول من الفاعل. والفتى: الغلام وعرفه في المملوك في الحديث لا يقل أحدكم عبدي وأمتي ليقل: فتاي وفتاتي. وقد قيل غير المملوك وأصل الفتى في اللغة الشاب ولكنه لما كان جل الخدمة شباناً استعير لهم اسم الفتى، ثم نقمْن ذلك عليها فقلت: { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي بين واضح للناس.

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } روي أن تلك المقالة الصادرة عن النسوة إنما قصدن بها المكر بأمرأة العزيز ومكرهن هو اغتيابهن إياها وسوء مقالتهن فيها انها عشقت يوسف وسمي الاغتياب مكراً لأنه في خفية وحال غيبة كما يخفي الماكر مكره.

{ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } الضمير عائد على تلك النسوة القائلة ما قلن عنها.

{ وَأَعْتَدَتْ } أي عدت.

{ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } أي يسرت وهيأت لهن ما يتكئن عليه من النمارق والمخاد والوسائد وغير ذلك.

{ وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً } ومعلوم أن مثل هذا المجلس لا بد فيه من طعام وشراب فيكون في جملة الطعام ما يقطع بالسكاكين فقيل كان لحماً وكانوا لا ينهشون اللحم إنما كانوا يأكلونه حزاً بالسكاكين.

{ وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } هذا الخطاب ليوسف عليه السلام وخروجه يدل على طواعيتها فيما لا يعصي الله فيه وفي الكلام حذف تقديره فخرج عليهن ومعنى أكبرنه أعظمنه ودهشن برؤية ذلك الجمال الفائق الرائع قيل كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء.

{ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } أي جرحنها كما تقول كنت أقطع اللحم فقطعت يدي والتضعيف للتكثير فالجرح كأنه وقع مراراً في اليد الواحدة وصاحبتها لا تشعر لما ذهلت بما راعها من جمال يوسف فكأنها غابت عن حسها والظاهر أن الأيدي هي الجوارح المسماة بهذا الاسم ولما فعلن هذه الفعل الصعب من جرح أيديهن وغلب عليهن ما رأين من يوسف وحسنه.

السابقالتالي
2 3 4