الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } الذي نقوله ان يوسف عليه الصلاة والسلام لم يقع منه هم بها البتة بل هو منفي لوجود رؤية البرهان، كما تقول: قارنت لولا أن عصمك الله.

قال ابن عطية: قول من قال ان الكلام قد تم في قوله: ولقد همت به وان جواب لولا في قوله: وهمّ بها، وان المعنى لولا ان رأى البرهان لهمّ بها فلم يهُمَّ يوسف عليه السلام يرده لسان العرب وأقوال السلف. " انتهى ". أما قوله: يرده لسان العرب فليس كما ذكر وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب.

قال تعالى:إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [القصص: 10] فقوله: ان كادت لتبدي به اما أن يتخرج على أنه الجواب على ما ذهب إليه القائل، واما أن يتخرج على ما ذهبنا إليه من أنه دليل الجواب، والتقدير لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به. وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك، لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضاً مع كونها قادحة في بعض المسلمين فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة. والذي رووا عن السلف لا يساعد عليهم كلام العرب، لأنهم قدروا جواب لولا محذوفاً. ولا يدل عليه دليل لأنهم لم يقدروا والهمّ بها ولا يدل كلام العرب إلا أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط لأن ما قبل الشرط دليل عليه، ولا يحذف الشىء لغير دليل والبرهان الذي رآه هو ما آتاه الله من العلم الدال على تحريم ما حرمه الله تعالى، ولا يمكن الهم به فضلاً عن الوقوع به.

{ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ } التقدير مثل تلك الرؤية، أو مثل ذلك الرأي براهيننا لنصرف عنه فتجعل الإِشارة إلى الرؤية أو الرأي والناصب للكاف مما دل عليه قوله: لولا أن رأى برهان ربه، ولنصرف متعلق بذلك الفعل الناصب للكاف.

{ وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ } الآية، أي واستبق يوسف وامرأة العزيز إلى الباب هذا للخروج والهروب منها وهذه لمنعه ومراودته. وأصل استبق أن يتعدى بإِلى فحذف اتساعاً. " وقدت قميصه " ، أي قطعته، والقد: القطع والشق وأكثر استعماله فيما كان طولاً.

{ مِن دُبُرٍ } أي من وراء. { وَأَلْفَيَا } أي وجدا وصادفا زوجها والمرأة تقول لبعلها سيدي، ولم يضف إليهما، لأن زوجها ليس سيداً ليوسف على الحقيقة.

{ مَا جَزَآءُ } ما: نافية. وبدأت بالسجن إبقاء على محبوبها ثم ترقت إلى العذاب الأليم، قيل: وهو الضرب بالسوط، وقولها ما جزاء، أي أن الذنب ثابت متقرر في حقه وأتت بلفظة سوء، أي مما يسوؤها وليس نصاً في معصية كبرى، إذ يحتمل خطابه لها بما يسوؤها أو ضربه إياها.

السابقالتالي
2