الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } * { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } * { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } * { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

{ قَالُواْ يَٰأَبَانَا } لما تقرر في أذهانهم التفريق بين يوسف وأبيه اعملوا الحيلة على يعقوب وتلطفوا في إخراجه معهم وذكروا نصحهم له وما في إرساله معهم في انشراح صدره بالارتعاء واللعب، إذ هو مما يشرح الصبيان وذكروا حفظهم له مما يسوؤه. وفي قوله: مالك لا تأمنّا على يوسف دليل على أنهم تقدم منهم سؤال في أن يخرج معهم، وذكروا سبب الأمن وهو النصح، أي لِمَ لمْ تأمنا عليه وحالتنا هذه. والنصح دليل على الأمانة ولهذا قرنا في قوله:نَاصِحٌ أَمِينٌ } [الأعراف: 68]، وكان قد أحسن منهم قبل ما أوجب ألا يأمنهم عليه. ولا تأمنا جملة حالية وهذا الاستفهام صحبه معنى التعجب. وقرىء: لا تأمنا باختلاس الحركة والإِدغام. في لفظة أرسله دليل على أنه كان يمسكه ويصحبه دائماً. وانتصب غداً على الظرف وهو ظرف مستقبل يطلق على اليوم الذي يلي يومك، وعلى الزمن المستقبل من غير تقييد باليوم الذي يلي يومك، وأصله غدو فحذفت لامه وقد جاء تاماً.

وقرىء: { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } بالياء وقرىء: بالنون. واللعب هنا هو الاستباق والانتضال يتدربون بذلك لقتال العدو وسموه لعباً لأنه بصورة اللعب ولم يكن ذلك للهو بدليل قولهم: إنا ذهبنا نستبق ولو كان لعب لهو ما أقرهم عليه يعقوب. ومن كسر العين من يرتع فهو يفتعل، قال مجاهد: هي المراعاة أي يراعي بعضنا بعضاً ويحرسه، ثم اعتذر لهم يعقوب عليه السلام بشيئين أحدهما عاجل في الحال وهو ما يلحقه من الحزن لمفارقته وكان لا يصبر عنه، والثاني خوفه عليه من الذئب إن أغفلوا عنه برعيهم ولعبهم، وعدل أخوة يوسف عن أحد الشيئين وهو حزنه على ذهابهم به لقصر مدة الحزن وإيهامهم أنهم يرجعون به إليه. وعدلوا إلى قضية الذئب وهو السبب الأقوى في منعه أن يذهبوا به فحلفوا له لئن كان ما خافه من خطفة الذئب أخاهم من بينهم وحالهم أنهم عشرة رجال بمثلهم تعصُب الأمور وتكفي الخطوب أنهم إذا لخاسرون أي هالكون ضعفاً وخوراً وعجزاً.

{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } بين هذه الجملة والجمل التي قبلها محذوف يدل عليه المعنى تقديره فأجابهم إلى ما سألوه وأرسل معهم يوسف، فلما ذهبوا به وأجمعوا: أي عزموا واتفقوا على إلقائه في الجب. وان يجعلوه مفعول أجمعوا، يقال: أجمع الأمر وأزمعه، بمعنى العزم عليه، واحتمل أن يكون الجعل هنا بمعنى الإِلقاء وبمعنى التصيير، وجواب لما هو قولهم قالوا: يا أبانا انا ذهبا نستبق، أي لما كان كيت وكيت قالوا: والظاهر أن الضمير في أوحينا إليه عائد على يوسف وهو وحي إلهام. قال ابن عباس: هو وحي منام، ويدل على أن الضمير عائد على يوسف قوله لهم:

السابقالتالي
2