{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ } هذه مراجعة لطيفة واستنزال حسن واستدعاء برفق ولذلك قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذلك خطيب الأنبياء " وهذا النوع يسمى استدراج المخاطب عند أرباب علم البيان وهو نوع لطيف غريب المعنى والمغزى يتوصل به إلى بلوغ الغرض. قال الزمخشري: فإن قلت: أين جواب أرأيتم وما لم يثبت كما ثبت في قصة نوح وصالح؟. قلت: جوابه محذوف وإنما لم يثبت لأن إثباته في القصتين دل على مكانه. ومعنى الكلام ينادي عليه، والمعنى أخبروني إن كنت على حجة واضحة ويقين من ربي وكنت نبياً على الحقيقة أنصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي والأنبياء لا يبعثون إلا كذلك " انتهى ". وتسمية هذا جواباً لا رأيتم ليس بالمصطلح بل هذه الجملة التي قدّرها هي في موضع المفعول الثاني لأرأيتم لأن أرأيتم إذا ضمنت معنى أخبرني تعدت لمفعولين، والغالب في الثاني أن يكون جملة استفهامية ينعقد منها ومن المفعول الأول في الأصل جملة ابتدائية كقول العرب: أرأيتم زيداً ما صنع. قال ابن عطية: وجواب الشرط الذي في قوله: { إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } محذوف تقديره أَضِل كما ضللتم، أو أترك تبليغ الرسالة، ونحو هذا مما يليق بهذه المحاجة. " انتهى ". وليس قوله: أضل جواباً للشرط لأنه إن كان مثبتاً فلا يمكن أن يكون جواباً لأنه لا يترتب على الشرط وإن كان استفهاماً حذف منه الهمزة فهو في موضع المفعول الثاني لأرأيتم، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الجملة السابقة مع متعلقها. قال الزمخشري: ما استطعت يجوز فيه وجوه أحدها: أن يكون بدلاً من الإِصلاح أي المقدار الذي استطعته، أو على حذف مضاف تقديره إلا الإِصلاح إصلاح ما استطعت فهذان وجهان في البدل، والثالث: أن تكون مفعولاً كقوله:
ضعيف النكاية أعداءه
أي ما أريد إلا أن أُصلحَ ما استطعتُ إصلاحه من فاسدكم. " انتهى ". هذا الثالث ضعيف لأن المصدر المعرف بأل لا يجوز أعماله في المفعول به عند الكوفيين، واما البصريون فاعماله عندهم فيه قليل. ومعنى: { لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } يسكبنّكم. { شِقَاقِيۤ } أي خلاقي وعدواتي وشقاقي فاعل. يجرمنكم وان يصيبكم مفعول ثان ليجرمنكم ومثل مرفوع به. { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } أما في الزمان لقرب عهد هلاكهم من عهدكم إذ هم أقرب الهالكين. { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ } كانوا لا يلقون إليه أذهانهم رغبة عنه وكراهة له أو قالوا ذلك على وجه الاستهانة به. { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ } احترموه لرهطه إذ كانوا كفاراً مثلهم وكان في عزة ومنعة منهم. { لَرَجَمْنَاكَ } ظاهره القتل وبالحجارة وهي شر القِتْلات. { وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } أي بذي منعة علينا.