{ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ } الآية، لما ذكر تعالى قصص عبدة الأوثان من الأمم السالفة واتبع ذلك بذكر أحوال الأشقياء والسعداء شرح لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحوال الكفار من قومه وأنهم متبعوا اياتهم. كحال من تقدم من الأمم السالفة في اتباع آبائهم في الضلال. وهؤلاء إشارة إلى مشركي العرب باتفاق وانّ ديدنهم كديدن الأمم الماضية. في التقليد والعمى عن النظر في الدلائل والحجج. وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعدة بالانتقام منهم إذ حالهم في ذلك حال الأمم السالفة والأمم السالفة قد قصصنا عليك ما جرى لهم من سوء العاقبة والتشبيه في قوله: كما يعيد، معناه أن حالهم في الشرك مثل حال آبائهم من غير تفاوت وقد بلغك ما نزل باسلافهم فسينزل بهم مثله وما يعبدون استئناف جرى مجرى التعليل للنهي عن المرية مما كان يحتمل أن تكون مصدرية وبمعنى الذي والنصيب هنا. قال ابن عباس: ما قدر لهم من خير وشر. وقال الزمخشري: فإِن قلت: كيف نصب غير منقوص حالاً عن النصيب الموفي؟ قلت: يجوز أن يوفي وهو ناقص، ويوفي وهو كامل، ألا تراك تقول: وفيّته شطر حقه وثلث حقه وحقه كاملاً وناقصاً. " انتهى ". وهذه مغلطة إذ قال: وفيته شطر حقه فالتوفية وقعت في الشطر وكذا ثلث حقه، فالمعنى أعطيته الشطر أو الثلث كاملاً لم أنقصه عنه شيئاً، وأما قوله: وحقه كاملاً وناقصاً أما كاملاً فصحيح وهي حال مؤكدة لأن التوفية تقتضي الاكمال، واما وناقصاً فلا يقال: المنافاة التوفية. والخطاب في فلا تك متوجه إلى من داخله الشك لا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، والمعنى والله أعلم قل يا محمد لمن شك لا تك في مرية مما يعبد هؤلاء فإِن الله لم يأمرهم بذلك وإنما اتبعوا في ذلك آبائهم تقليداً لهم وإعراضاً عن حجج العقول. { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ } الآية، والكتاب: التوراة، فاختلفوا فيه فقبله بعض وأنكره بعض. والظاهر عود الضمير في فيه على الكتاب لقربه. ويجوز أن يعود على موسى عليه السلام ويلزم من الاختلاف في أحدهما الاختلاف في الآخر. { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ } الآية، الظاهر عموم كل وشموله للمؤمن والكافر. وقرىء: وإن كلاً بالتشديد وكلاً اسمها. وقرىء: وانْ بالتخفيف وكلا اسمها وأعمالها مخففة ثابت في لسان العرب، ففي كتاب سيبويه ان زيد المنطلق بتخفيف ان. وقرىء: لما بتخفيف الميم فاللام هي الداخلة في خبر انّ المخففة والمشددة، وما زائدة واللام في ليوفينهم جواب قسم محذوف، وذلك القسم في موضع خبر ان وليوفينهم جواب القسم المحذوف فالتقدير وان كلاً لأقسم ليوفينهم. وقرىء: لما بالتشديد وهي لما الجازمة حذف الفعل المجزوم لدلالة المعنى عليه وتقديره وان كلا لما ينقص من جزاء عمله، ويدل على قوله تعالى: { لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } لما اخبر بانتفاء نقص جزاء أعمالهم أكده بالقسم قالت العرب: قاربت المدينة ولما يريدون ولما أدخلها لدلالة المعنى عليه.