الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } * { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } * { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

{ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } أي أحسنوا في كل ما تعبدوا به، أي أتوا بالمأمور كما ينبغي واجتنبوا المنهي عنه والحسنى هي الجنة. وزيادة هي النظر إلى الله تعالى في الجنة، ولا يلحقها خزي. والخزي يتغير به الوجه ويسود فكنى بالوجه عن الجملة لكونه أشرفها، ولظهور أثر السرور والحزن فيه.

{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } والذين مبتدأ.

و { جَزَآءُ } مبتدأ ثان، وخبره:

{ بِمِثْلِهَا } وقيل: الباء زائدة. والضمير العائد على المبتدأ محذوف تقديره جزاء سيئة منهم بمثلها. وقيل: خبر والذين قوله:

{ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } والجملتان قبله اعتراض بين المبتدأ وخبره.

{ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ } هذه مبالغة في سواد الوجوه وقد جاء مصرحاً به في قوله:وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106]. وأغشيت: كسيت، ومنه الغشاء. وكون وجوههم مسودة هو حقيقة لا مجاز فتكون ألوانهم مسودة. وقرىء: قطعاً بسكون الطاء، ومظلماً صفة له: وقرىء: بفتح الطاء فيكون مظلماً حالاً من الليل. وقال الزمخشري: فإِن قلت: إذا جعلت مظلماً حالاً من الليل، فما العامل فيه؟ قلت: لا يخلو اما أن يكون اغشيت من قِبَل أنّ من الليل صفة لقوله: قطعاً فكان إفضاؤه إلى الموصوف كإِفضائه إلى الصفة، وأما أن يكون معنى الفعل في من الليل. " انتهى ". أما الوجه الأول فهو بعيد لأن الأصل أن يكون العامل في الحال هو العامل في ذي الحال، والعامل هو مستقر الواصل إليه بمن وأغشيت عامل في قوله: قطعاً، الموصوف بقوله: من الليل، فاختلفا. فلذلك كان الوجه الأخير أولى أي قطعاً مستقرة أو كائنة من الليل في حال إظلامه. قال ابن عطية: وإذا كان نعتاً يعني مظلماً نعتاً لقطعاً فكان حقه أن يكون قبل الجملة، ولكن قد يجيءُ بعد هذا وتقدير الجملة قطعاً استقر من الليل مظلماً على نحو قوله:وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ } [الأنعام: 92، 155]. " انتهى ". لا يتعين تقدير العامل في المجرور بالفعل فتكون جملة بل الظاهر أن يقدر باسم الفاعل فيكون من قبيل الوصف بالمفرد، والتقدير قطعاً كائناً من الليل مظلماً.

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } الآية، الضمير في نحشرهم عائد على من تقدم من الفريقين وانتصب يوم على فعل محذوف، أي ذكرهم أو خوّفهم. ونحوُه وجميعاً: حال. والشركاء: هم من عُبد من دون الله كائناً من كان. ومكانكم: عده النحويون في أسماء الأفعال وقدر باثبتوا كما قال:
وقولي كلما جشأت وجاشت   مكانك تحمدي أو تستريحي
أي اثبتي. ولكونها بمعنى اثبتي جزم تحمدي وتحملت ضميراً فأكد. وعطف عليه في قوله: أنتم وشركاؤكم. قال الزمخشري: وأنتم أكد به الضمير في مكانكم لسده مسد قوله: الزموا وشركاؤكم عطف عليه. " انتهى ". يعني عطفاً على الضمير المستكن، وتقديره الزموا.

السابقالتالي
2