الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ } الآية، سبب نزولها أنه لما دعا على أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجدب قحطوا سبع سنين فأتاه أبو سفيان فقال: ادع لنا بالخصب فإِن أخصبنا صدقناك فسأل الله تعالى لهم فسقوا ولم يؤمنوا. والرحمة هنا الغيث بعد القحط والأمن بعد الخوف، والصحة بعد المرض، والغنى بعد الفقر، وما أشبه ذلك. ومعنى مستهم خالطتهم وفي هذه الجملة دليل على سرعة تقلب آدم من حالة الخير إلى حالة الشر، وذلك بلفظ أذقنا، كأنه قيل: أول ذوقه الرحمة قبل أن يداوم استعظامها مكر، وبلفظ من المشعرة بابتداء الغاية أي ينسى المكر أثر كشف الضر لا يمهل ذلك وبلفظ إذا الفجائية الواقعة جواباً لإِذا الشرطية أي في وقت إذاقة الرحمة فاجأوا بالمكر ولما كانت هذه الجملة كما قلنا تتضمن سرعة المكر منهم قيل:

{ قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً } فجاءت أفعل التفضيل. ومعنى وصف المكر بالاسراعية أنه تعالى قبل أن تدبروا مكائدكم قضى بعقابكم وهو موقعة بكم واستدرجكم بإمهاله.

{ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } مناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر أن الناس إذا أصابهم الضر لجأوا إلى الله تعالى وإذا أذاقهم الرحمة عادوا إلى عادتهم من إهمال جانب الله تعالى والمكر في آياته، وكان المذكور في الآيتين أمراً كلياً أوضح ذلك الأمر الكلي بمثال جليّ كاشف عن حقيقة ذلك المعنى الكلي، ينقطع فيه رجاء الإِنسان عن كل متعلق به إلا الله تعالى فيخلص له الدعاء وحده في كشف هذه النازلة التي لا يكشفها إلا هو تعالى. وقرىء: ينشركم من النشر والبث ويسيركم من التسيير.

{ وَجَرَيْنَ } النون عائدة على الفلك ويراد به الجمع إذ الفلك يكون مفرداً كقوله:فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [الشعراء: 119، يس: 41]، ويكون جمعاً كهذا ولهذا عاد الضمير عليه جمعاً. والباء في " بهم " للتعدية وفي " بريح " للسبب. وفي قوله: بهم، التفات إذ هو خروج من خطاب في قوله: كنتم، إلى غيبة في قوله: بهم وفرحوا وما بعد ذلك من ضمير الغيبة. قال الزمخشري: فائدة الإِلتفات في قوله: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم المبالغة كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها وتستدعي منهم الإِنكار والتقبيح. " انتهى ". والذي يظهر والله أعلم أن حكمة الإِلتفات هنا هي أن قوله: هو الذي يسيركم في البر والبحر، خطاب فيه امتنان وإظهار نعمه للمخاطبين والمسيرون في البر والبحر مؤمنون وكفار. والخطاب شامل فحسن خطابهم بذلك ليستديم الصالح على الشكر ولعل الطالح يتذكر هذه النعمة فيرجع، فلما ذكرت حالهُ آل الأمر في آخرها إلى أن المتلبس بها هو باغ في الأرض بغير الحق عدل عن الخطاب إلى الغيبة حتى لا يكون المؤمنون يخاطبون بصدور مثل هذه الحالة التي آخرها البغي.

السابقالتالي
2 3