الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } * { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

{ يا أيها الذين آمنوا إنَّ كثيراً من الأحبار الرهبان } من فقهاء أهل الكتاب وعلمائهم { ليأكلون أموال الناس بالباطل } يعني: ما يأخذونه من الرُّشا في الحكم { ويصدون عن سبيل الله } ويصرفون النَّاس عن الإِيمان بمحمَّد عليه السَّلام، ثمَّ أنزل في مانعي الزَّكاة من أهل القبلة: { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } لا يُؤَدُّون زكاتها { فبشرهم بعذاب أليم } أخبرهم أنَّ لهم عذاباً أليماً.

{ يوم يحمى عليها } يوم تدخل كنوزهم النَّار حتى تحمى وتشتدَّ حرارتها { فتكوى بها } أَيْ: فلتصق بجباههم وجنوبهم وظهورهم حتى يلتقي الحرُّ في أجوافهم، ويقال لهم: هذا الذي تكوون به ما جمعتم لأنفسكم، وبخلتم به عن حقِّ الله { فذوقوا } العذاب بـ { ما كنتم تكنزون }.

{ إنَّ عدَّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً } عدد شهور المسلمين التي تُعبِّدوا بأن يجعلوها لسنتهم اثنا عشر شهراً، على منازل القمر واستهلال الأهلَّة، لا كما يعدُّه أهل الرُّوم وفارس { في كتاب الله } في الإِمام الذي عند الله كتبه يوم خلق السَّموات والأرض { منها أربعة حرم } رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرَّم، يعظهم انتهاك المحارم فيها بأشدَّ ممَّا يعظم في غيرها { ذلك الدين القيم } الحساب المستقيم { فلا تظلموا فيهن أنفسكم } تحفَّظوا من أنفسكم في الحرم، فإنَّ الحسنات فيهن تضعف، وكذلك السيئات { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } قاتلوهم كلَّهم، ولا تُحَابوا بعضهم بترك القتال، كما إنَّهم يستحلُّون قتال جميعكم { واعلموا أنَّ الله مع المتقين } مع أوليائه الذين يخافونه.

{ إنما النسيء } تأخير حرمةِ شهرٍ حرَّمه الله إلى شهرٍ آخر لم يحرِّمه، وذلك أنَّ العرب في الجاهليَّة ربما كانت تستحلُّ المحرم، وتحرِّم بدله صفر، فأخبر الله تعالى أنَّ ذلك كلَّه { زيادة في الكفر } حيث أحلُّوا ما حرَّم الله، وحرَّموا ما أحلَّ الله { يضل به } بذلك التَّأخير { الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً } إذا قاتلوا فيه أحلُّوه وحرَّموا مكانه صفر، وإذا لم يقاتلوا فيه حرَّموه { ليواطئوا } ليوافقوا { عدَّة ما حرم الله } وهو أنَّهم لم يُحلُّوا شهراً من الحرم إلاَّ حرَّموا مكانه شهراً من الحلال، ولم يحرِّموا شهراً من الحلال إلاَّ أحلُّوا مكانه شهراً من الحرم، لئلا يكون الحرم أكثر من الأربعة كما حرَّم الله، فيكون موافقة للعدد. { زين لهم سوء أعمالهم } زيَّن لهم الشَّيطان ذلك.