الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } * { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } * { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ }

{ ومن يُوَلَّهِمْ يومئذٍ } أَيْ: يوم لقاء الكفَّار { دبره إلاَّ متحرِّفاً لقتال } مُنعطفاً مُستَطرداً يطلب العودة { أو متحيزاً } مُنضمَّاً { إلى فئة } لجماعةٍ يريدون العود إلى القتال { فقد باء بغضب من الله... } الآية. وأكثر المفسرين على أنَّ هذا الوعيد، إنَّما كان لمَنْ فرَّ يوم بدرٍ، وكان هذا خاصَّاً للمنهزم يوم بدرٍ.

{ فلم تقتلوهم } يعني: يوم بدرٍ { ولكنَّ الله قتلهم } بتسبيبه ذلك، من المعونة عليهم وتشجيع القلب { وما رميت إذ رميت } وذلك أنَّ جبريل عليه السَّلام قال للنبيِّ عليه السَّلام يوم بدرٍ: خذ قبضةً من تراب فارمهم بها، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضةً من حصى الوادي، فرمى بها في وجوه القوم، فلم يبقَ مشركٌ إلاَّ دخل عينيه منها شيءٌ، وكان ذلك سبب هزيمتهم، فقال الله تعالى: { وما رميت إذ رميت ولكنَّ الله رمى } أَيْ: إنَّ كفَّاً من حصى لا يملأ عيون ذلك الجيش الكثير برمية بَشرٍ، ولكنَّ الله تعالى تولَّى إيصال ذلك إلى أبصارهم { وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً } وينعم عليهم نعمةً عظيمةً بالنَّصر والغنيمة فعل ذلك. { إنَّ الله سميع } لدعائهم { عليم } بنيَّاتهم.

{ ذٰلكم وأنَّ الله موهن كيد الكافرين } يُهنِّىء رسوله بإيهانه كيد عدوِّه، حتى قُتلت جبابرتهم، وأُسِر أشرافهم.

{ إن تستفتحوا } هذا خطابٌ للمشركين، وذلك أنَّ أبا جهلٍ قال يوم بدرٍ: اللَّهم انصر أفضل الدِّينَيْن، وأهدى الفئتين، فقال الله تعالى: { إن تستفتحوا } تستنصروا لأَهْدى الفئتين { فقد جاءكم الفتح } النَّصر { وإن تنتهوا } عن الشِّرك بالله { فهو خير لكم وإن تعودوا } لقتال محمَّدٍ { نعد } عليكم بالقتل والأسر { ولن تغني عنكم } تدفع عنكم { فئتكم } جماعتكم { شئياً ولو كثرت } في العدد { وأنَّ الله مع المؤمنين } فالنَّصر لهم.

{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه } لا تُعرضوا عنه بمخالفة أمره { وأنتم تسمعون } ما نزل من القرآن.

{ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا } سماع قابلٍ، وليسوا كذلك، يعني: المنافقين، وقيل: أراد المشركين؛ لأنَّهم سمعوا ولم يتفكَّروا فيما سمعوا، فكانوا بمنزلة مَنْ لم يسمع.

{ إنَّ شرَّ الدواب عند الله الصمُّ البكم الذين لا يعقلون } يريد نفراً من المشركين كانوا صمَّاً عن الحقِّ، فلا يسمعونه، بُكماً عن التَّكلُّم به. بيَّن الله تعالى أنَّ هؤلاء شرُّ ما دبَّ على الأرض من الحيوان.

{ ولو علم الله فيهم خيراً } لو علم أنَّهم يصلحون بما يُورده عليهم من حججه وآياته { لأسمعهم } إيَّاها سماع تفهمٍ { ولو أسمعهم } بعد أن علم أن لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك و { لتولوا وهم معرضون }.