{ وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان } يجترئون على الخطأ والظُّلم، ويبادرون إليه { وأكلهم السُّحت } ما كانوا يأخذونه من الرَّشا على كتمان الحقِّ، ثمَّ ذمَّ فعلهم بقوله: { لبئس ما كانوا يعملون }. { لولا } [هلاَّ] { ينهاهم } عن قبح فعلهم { الربانيون والأحبار } علماؤهم وفقهاؤهم { لبئس ما كانوا يصنعون } حين تركوا النَّكير عليهم. { وقالت اليهود يد الله مغلولة } مقبوضةٌ عن العطاء وإسباغ النِّعم علينا. قالوا هذا حين كفَّ الله تعالى عنهم بكفرهم بمحمَّد عليه السَّلام ما كان يسلِّط عليهم من الخِصب والنِّعمة، فقالوا - لعنهم الله على جهة الوصف بالبخل -: { يد الله مغلولة } وقوله: { غلت أيديهم } أَيْ: جعلوا بخلاء وأُلزموا البخل، فهم أبخل قوم { ولعنوا بما قالوا } عُذِّبوا في الدُّنيا بالجِزية [والذلَّة والصَّغار، والقحط والجلاء]، وفي الآخرة بالنَّار { بل يداه مبسوطتان } قيل: معناه: الوصف بالمبالغة في الجود والإِنعام. وقيل: معناه: نِعمُه مبسوطةٌ، ودلَّت التَّثنية على الكثرة، كقولهم: [لبيك وسعديك]. وقيل: نعمتاه، أَيْ: نعمة الدُّنيا، ونعمة الآخرة { مبسوطتان ينفق كيف يشاء } يرزق كما يريد؛ إن شاء قتَّر، وإنْ شاء وسَّع { وليزيدَّن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً } كلَّما أنزل عليك شيءٌ من القرآن كفروا به، فيزيد كفرهم { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء } بين طوائف اليهود، وجعلهم الله مختلفين متباغضين، كما قال:{ تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتَّى } { كلما أَوْقَدُوا ناراً للحرب أطفأها الله } كلَّما أرادوا محاربتك ردَّهم الله، وألزمهم الخوف { ويسعون في الأرض فساداً } يعني: يجتهدون في دفع الإِسلام، ومحو ذكر النبيِّ صلى الله عليه وسلم من كتبهم. { ولو أنَّ أهل الكتاب آمنوا } بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم { واتقوا } اليهوديَّة والنصرانيَّة { لكفَّرنا عنهم سيئاتهم } كلَّ ما صنعوا قبل أن تأتيهم. { ولو أنهم أقاموا التوراة والإِنجيل } عملوا بما فيهما من التَّصديق بك { وما أنزل إليهم } من كتب أنبيائهم { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } لأنزلتُ عليهم القطر، وأخرجتُ لهم من نبات الأرض كلَّما أرادوا { منهم أمة مقتصدة } مؤمنةٌ. { يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك } أَيْ: لا تراقبنَّ أحداً، ولا تتركنَّ شيئاً ممَّا أُنزل إليك تخوُّفاً مِنْ أَنْ ينالك مكروهٌ. بلِّغ الجميع مجاهراً به { وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } إنْ كتمت آية ممَّا أنزلتُ إليك لم تبلِّغ رسالتي. يعني: إنَّه إنْ ترك بلاغ البعض كان كمَنْ لم يُبلِّغ { والله يعصمك من الناس } أن ينالوك بسوء. قال المفسرون: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يشفق على نفسه غائلة اليهود والكفَّار، وكان لا يُجاهرهم بعيب دينهم وسبِّ آلهتهم، فأنزل الله تعالى: { يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك } فقال: يا ربِّ، كيف أصنع وأنا واحدٌ أخاف أن يجتمعوا عليَّ؟ فأنزل الله تعالى: { وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إنَّ الله لا يهدي القوم الكافرين } لا يرشد مَنْ كذَّبك. { قل يا أهل الكتاب لستم على شيء } من الدِّين { حتى تُقيموا } حتى تعملوا بما في الكتابين من الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته، وباقي الآية مضى تفسيره إلى قوله: { فلا تأس على القوم الكافرين } يقول: لا تحزن على أهل الكتاب إنْ كذَّبوك. { إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا } سبق تفسيره في سورة البقرة.