{ ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم } عن قتال المشركين، وأَدُّوا ما فُرض عليكم من الصَّلاة والزَّكاة. نزلت في قوم من المؤمنين استأذنوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهم بمكَّة في قتال المشركين، فلم يأذن لهم { فلما كتب عليهم القتال } بالمدينة { إذا فريقٌ منهم يخشون الناس } أَيْ: عذاب النَّاس بالقتل { كخشية الله } كما يخشى عذاب الله { أو أشدَّ } أكبرَ { خشية } وهذه الخشية إنَّما كانت لهم من حيث طبع البشريَّة، لا على كراهية أمر الله بالقتال { وقالوا } جزعاً من الموت، وحرصاً على الحياة: { ربنا لمَ كتبت } فرضتَ { علينا القتال لولا } هلاًّ { أخرتنا إلى أجل قريب } وهو الموت، أَيْ: هلاَّ تركتنا حتى نموت بآجالنا، وعافيتنا من القتل، { قل } لهم يا محمَّدُ: { متاع الدنيا قليل } أجل الدُّنيا قريبٌ، وعيشها قليلٌ { والآخرة } الجنَّةُ { خيرٌ لمن اتقى } ولم يُشرك به شيئاً { ولا تظلمون فتيلاً } أَيْ: لا تُنقصون من ثواب أعمالكم مثل فتيل النَّواة، ثمَّ أعلمهم أنَّ آجالهم لا تخطئهم ولو تمنَّعوا بأمنع الحصون، فقال: { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج } حصونٍ وقصور { مشيدة } مطوَّلة مرفوعة. [وقيل: بروج السَّماء] { وإن تصبهم } يعني: المنافقين [واليهود] { حسنة } خصب ورخص سعر { يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة } جدبٌ وغلاءٌ { يقولوا هذه من عندك } من شؤم محمد، وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا قدم المدينة وكفرت اليهود أمسك الله عنهم ما كان قد بسط عليهم، فقالوا: ما رأينا أعظم شؤماً من هذا، نقصت ثمارنا، وغلت أسعارنا منذ قدم علينا، فقال الله تعالى: { قل كلٌّ } أًي: الخصب والجدب { من عند الله } من قِبَل الله { فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً } لا يفهمون القرآن. { ما أصابك } يا ابن آدم { من حسنة } فتح وغنيمةٍ وخصبٍ فمن تفضُّل الله { وما أصابك من سيئة } من جدبٍ وهزيمةٍ وأمرٍ تكرهه { فمن نفسك } فبذنبك يا ابن آدم { وأرسلناك } يا محمدُ { للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً } على رسالتك. { من يطع الرسول فقد أطاع الله } يعني: إنَّ طاعتكم لمحمد طاعةٌ لله { ومَنْ تولى } أعرض عن طاعته { فما أرسلناك عليهم حفيظاً } أَيْ: حافظاً لهم من المعاصي حتى لا تقع، أَيْ: ليس عليك بأسٌ لتولِّيه؛ لأنَّك لم ترسل عليهم حفيظاً من المعاصي. { ويقولون } أَي: المنافقون { طاعةٌ } أَيْ: طاعةٌ لأمرك { فإذا برزوا } خرجوا { من عندك بيَّت } قدَّر وأضمر { طائفة منهم غير الذي تقول } لك من الطَّاعة أَيْ: أضمروا خلاف ما أظهروا، وقدَّروا ليلاً خلاف ما أعطوك نهاراً { واللَّهُ يكتب ما يبيِّتون } أَيْ: يحفظ عليهم ليُجَازَوا به { فأعرض عنهم } أَيْ: فاصفح عنهم، وذلك أنه نُهي عن قتل المنافقين في ابتداء الإِسلام، ثمَّ نُسخ ذلك بقوله:{ جاهِد الكفَّار والمنافقين }