الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } * { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَٰناً وَتَوْفِيقاً } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } وهم العلماء والفقهاء. وقيل: الأمراء والسَّلاطين، وتجب طاعتهم فيما وافق الحقَّ. { فإن تنازعتم } اختلفتم وتجادلتم وقال كلُّ فريق: القولُ قولي: فَرُدُّوا الأمر في ذلك إلى كتاب الله وسنَّة رسوله { ذٰلك خيرٌ } أََيْ: ردُّكُمُ ما اختلفتم فيه إلى الكتاب والسنة، وردُّك التجادل { وأحسن تأويلاً } وأحمدُ عاقبةً.

{ ألم تر إلى الذين يزعمون... } الآية. وقع نزاعٌ بين يهوديِّ ومنافق، فقال اليهوديُّ: بيننا أبو القاسم، وقال المنافق: لا بل نُحكِّم بيننا كعب بن الأشرف، فنزلت هذه الآية. وهو قوله: { يريدون أنْ يتحاكموا إلى الطاغوت } ومعناه: ذو الطُّغيان { وقد أمروا أن يكفروا به } أَيْ: أُمروا أن لا يوالوا غير أهل دينهم { ويريد الشيطان أن يضلَّهم ضلالاً بعيداً } لا يرجعون عنه إلى دين الله أبداً، وهذا تعجيبٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم من جهل مَنْ يعدل عن حكم الله إلى حكم الطَّاغوت مع زعمه بأنَّه يؤمن بالله ورسوله.

{ وإذا قيل لهم } أَيْ: للمنافقين { تعالوا إلى ما أنزل الله } أَيْ: في القرآن من الحكم { وإلى الرسول } وإلى حكم الرَّسول { رأيت المنافقين يَصُدُّون عنك صدوداً } يُعرضون عنك إعراضاً إلى غيرك عداوةً للدِّين.

{ فكيف } أَيْ: فكيف يصنعون ويحتالون { إذا أصابتهم مصيبة } مجازاةً لهم على ما صنعوا، وهو قوله: { بما قدَّمت أيديهم } وتمَّ الكلام ههنا، ثمَّ عطف على معنى ما سبق فقال: { ثم جاؤوك يحلفون بالله } أَيْ: تحاكموا إلى الطَّاغوت، وصدُّوا عنك، ثمَّ جاؤوك يحلفون، وذلك أنَّ المنافقين أتوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وحلفوا أنَّهم ما أرادوا بالعدول عنه في المحاكمة إلاَّ توفيقاً بين الخصوم، أَيْ: جمعاً وتأليفاً، وإحساناً بالتَّقريب في الحكم دون الحمل على مُرِّ الحقِّ، وكلُّ ذلك كذبٌ منهم؛ لأنَّ الله تعالى قال:

{ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } أَيْ: من الشِّرك والنِّفاق { فأعرض عنهم } أيْ: اصفح عنهم { وعظهم } بلسانك { وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً } أَيْ: خوِّفهم بالله، وازجرهم عمَّا هم عليه بأبلغ الزَّجر كيلا يستسِرُّوا الكفر.

{ وما أرسلنا من رسولٍ إلاَّ ليطاع } فيما يأمرُ به ويحكم، لا ليُعصى ويُطلب الحكم من غيره، وقوله: { بإذن الله } أَيْ: لأنَّ الله أذن في ذلك، وأمر بطاعته { ولو أنهم } أَيْ: المنافقين { إذ ظلموا أنفسهم } بالتَّحاكم إلى الكفَّار { جاؤوك فاستغفروا الله } فزعوا وتابوا إلى الله.