الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } * { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } * { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } * { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً }

{ إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به... } الآية. وعد الله تعالى في هذه الآية مغفرة ما دون الشِّرك، فيعفو عن مَنْ يشاء، ويغفر لمِنْ يشاء إلاَّ الشِّرك؛ تكذيباً للقدريَّة، وهو قوله: { ويغفر ما دون ذلك } أَيْ: الشِّرك { لمن يشاء ومَنْ يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً } أَيْ: اختلق ذنباً غير مغفور.

{ ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } أَيْ: اليهود قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وما عملناه باللَّيل كُفِّر عنَّا بالنَّهار، وما عملناه بالنَّهار كُفِّر عنَّا باللَّيل { بل الله يزكِّي من يشاء } أَيْ: يجعل مَنْ يشاء زاكياً طاهراً نامياً في الصَّلاح. يعني: أهل التَّوحيد { ولا يُظلمون فتيلاً } لا ينقصون من الثواب قدر الفتيل، وهو القشرة الرَّقيقة التي حول النَّواة، ثمَّ عجَّب نبيَّه عليه السَّلام من كذبهم، فقال:

{ انظر كيف يفترون على الله الكذب } يعني: قولهم: يكفِّر عنَّا ذنوبنا { وكفى به } بافترائهم { إثماً مبيناً } أَيْ: كفى ذلك في التَّعظيم.

{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } يعني: علماء اليهود { يؤمنون بالجبت } أَيْ: الأصنام { والطاغوت } سدنتها وتراجمتها، وذلك أنَّهم حالفوا قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجدوا لأصنام قريش، وقالوا لهم: أنتم أهدى من محمَّدٍ عليه السَّلام، وأقوم طريقةً وديناً، وهو قوله: { ويقولون للذين كفروا } يعني: قريشاً { هٰؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً } ، وقوله:

{ أم لهم نصيبٌ } أَيْ: بل أَلهم نصيب من الملك؟ يعني: ليس لليهود ملك، ولو كان إذاً لهم لم يُؤتوا أحداً شيئاً، وهو قوله: { فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً } أَيْ: لضنُّوا بالقليل. وصفهم الله بالبخل في هذه الآية، والنَّقير يُضرب مثلاً للشَّيء القليل، وهو نقرةٌ في ظهر النَّواة [منها] تنبت النَّخلة.

{ أم يحسدون الناس } يعني: محمَّداً عليه السَّلام { على ما آتاهم الله من فضله } حسدت اليهود محمَّداً عليه السَّلام على ما آتاه الله من النُّبوَّة، وما أباح له من النِّساء، وقالوا: لو كان نبيَّاً لشغله أمر بالنُّبوَّة عن النِّساء، فقال الله تعالى: { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة } يعني: النُّبوَّة { وآتيناهم ملكاً عظيماً } يعني: ملك داود وسليمان عليهما السَّلام، وما أُوتوا من النِّساء، فكان لداود تسعٌ وتسعون، ولسليمان ألفٌ من بين حُرَّةٍ ومملوكةٍ، والمعنى: أيحسدون النَّبيَّ عليه السَّلام على النُّبوَّة وكثرة النِّساء وقد كان ذلك في آله؛ لأنَّه من آل إبراهيم عليه السَّلام.

{ فمنهم } من أهل الكتاب { من آمن به } بمحمَّدٍ عليه السَّلام { ومنهم مَن صدَّ عنه } أعرض عنه فلم يؤمن { وكفى بجهنَّم سعيراً } عذاباً لمَنْ لا يؤمن.