{ يسألك أهل الكتاب... } الآية. سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يأتيهم بكتابٍ جُمْلَةً من السَّماء، كما أتى به موسى، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقوله: { فقد سألوا موسى أكبر من ذلك } يعني: السَّبعين الذين ذكروا في قوله:{ وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك... } الآية. { ثمَّ اتخذوا العجل } يعني: الذين خلَّفهم موسى مع هارون { من بعد ما جاءتهم البينات } العصا، واليد، وفلق البحر { فعفونا عن ذلك } لم نستأصل عبدة العجل { وآتينا موسى سلطاناً مبيناً } حجَّةً بيِّنةً قوي بها على مَنْ ناوأه. { ورفعنا فوقهم الطور } حين امتنعوا من قبول شريعة التَّوراة { بميثاقهم } أَيْ: بأخذ ميثاقهم { وقلنا لهم لا تعدوا في السبت } لا تعتدوا باقتناص السَّمك فيه { وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً } عهداً مؤكَّداً في النبيِّ صلى الله عليه وسلم. { فبما نقضهم ميثاقهم } أَيْ: فبنقضهم، و " ما " زائدةٌ للتَّوكيد، وقوله: { بل طبع اللَّهُ عليها بكفرهم } أَيْ: ختم الله على قلوبهم فلا تعي وَعْظاً، مجازاةً لهم على كفرهم، { فلا يؤمنون إلاَّ قليلاً } يعني: الذين آمنوا. { وبكفرهم } بالمسيح { وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً } حين رموها بالزِّنا. { وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابنَ مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم } أَيْ: ألقي لهم شبه عيسى على غيره حتى ظنُّوه لمَّا رأوه أنَّه المسيح { وإنَّ الذين اختلفوا فيه } أَيْ: في قتله، وذلك أنَّهم لمَّا قتلوا الشَّخص المشَبَّه به كان الشَّبَه أُلقي على وجهه، ولم يُلق على جسده شبهُ جسدِ عيسى، فلمَّا قتلوه ونظروا إليه قالوا: الوجه وجه عيسى، والجسد جسد غيره، فاختلفوا، فقال بعضهم: هذا عيسى، وقال بعضهم: ليس بعيسى، وهذا معنى قوله: { لفي شك منه } أَيْ: مِنْ قتله { ما لهم به } بعيسى { من علم } قُتِل أو لم يقتل { إلاَّ اتباع الظن } لكنَّهم يتَّبعون الظَّنَّ { وما قتلوه يقيناً } وما قتلوا المسيح على يقين من أنَّه المسيح. { بل رفعه الله إليه } أَيْ: إلى الموضع الذي لا يجري لأحدٍ سوى الله فيه حكمٌ وكان رفعُه إلى ذلك الموضع رفعاً إليه؛ لأنَّه رُفع عن أن يجري عليه حكم أحدٍ من العباد { وكان الله عزيزاً } في اقتداره على نجاة مَنْ يشاء من عباده { حكيماً } في تدبيره في النَّجاة. { وإن من أهل الكتاب إلاَّ ليؤمنن به } أَيْ: ما مِن أهل الكتاب أحدٌ إلاَّ ليؤمننَّ بعيسى { قبل موته } إذا عاين المَلَك، ولا ينفعه حينئذٍ إيمانه، ولا يموت يهوديٌّ حتى يؤمن بعيسى { ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً } على أنْ قد بلَّغ الرِّسالة، وأقرَّ بالعبوديَّة على نفسه. { فبظلم من الذين هادوا... } الآية. عاقب الله اليهود على ظلمهم وبغيهم بتحريم اشياء عليهم، وهي ما ذُكر في قوله:{ وعلى الذين هادوا حرَّمنا كلَّ ذي ظُفرٍ... } الآية.