الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } * { ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } * { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } * { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

{ فأعرضوا } عن أمر الله تعالى بتكذيب الرُّسل { فأرسلنا عليهم سيل العرم } وهو السِّكْر الذي يحبس الماء، وكان لهم سِكْرٌ يحبس الماء عن جنَّتيهم، فأرسل الله تعالى فيه جرذاناً ثقبته، فانبثق الماء عليهم، فغرق جنَّاتهم { وبدلناهم بجنَّتيهم جنتين ذواتىٰ أُكُلٍ خمط } أَيْ: ثمرٍ مُرٍّ { وأثل } وهو الطَّرفاء { وشيء من سدر قليل } وذلك أنَّ الله تعالى أهلك أشجارهم المثمرة، وأنبت بدلها الأراك والطَّرفاء والسِّدر.

{ ذلك جزيناهم بما كفروا } أَيْ: جزيناهم ذلك الجزاء بكفرهم { وهل نجازي إلاَّ الكفور } بسوء عمله، وذلك أنَّ المؤمن تُكفَّر عنه سيئاته، والكافر يُجازى بكلِّ سوءٍ يعمله.

{ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها } يعني: قرى الشَّام، { قرى ظاهرة } متواصلةً، يُرى من هذه القرية القرية الأخرى، فكانوا يخرجون من سبأ إلى الشَّام، فيمرُّون على القرى العامرة { وقدرنا فيها السير } جعلنا سيرَهم بمقدارٍ، إذا غدا أحدهم من قريةٍ قال في أخرى، وإذا راح من قريةٍ أوى إلى أخرى، وقلنا لهم: { سيروا فيها } في تلك القرى { ليالي وأياماً } أَيَّ وقت شئتم من ليلٍ أو نهارٍ { آمنين } لا تخافون عدوَّاً ولا جوعاً ولا عطشاً.

{ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا } وذلك أنَّهم سئموا الرَّاحة، وبطروا النِّعمة فتمنَّوا أن تتباعد قراهم ليبعد سفرهم بينها { وظلموا أنفسهم } بالكفر والبطر { فجعلناهم أحاديث } لمَنْ بعدهم يتحدَّثون بقصَّتهم { ومزَّقناهم كلَّ ممزق } وفرَّقناهم في البلاد، فصاروا يُتمثَّل بهم في الفُرقة، وذلك أنَّهم ارتحلوا عن أماكنهم وتفرَّقوا في البلاد { إنَّ في ذلك } الذي فعلنا { لآيات لكلّ صبار شكور } أَيْ: لكلِّ مؤمنٍ؛ لأنَّ المؤمن هو الذي إذا ابتُليَ صبر، وإذا أُعطيَ شكر.