الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } * { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }

{ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوَّة واسمعوا } مضى تفسيره، ومعنى: واسمعوا، أَيْ: [اقبلوا] ما فيه من حلاله وحرامه وأطيعوا { قالوا: سمعنا } ما فيه { وعصينا } ما أُمرنا به { وأُشربوا في قلوبهم العجل } وسُقوا حبَّ العجل وخُلطوا بحبِّ العجل حتى اختلط بهم، والمعنى: حُبَّب إليهم العجل { بكفرهم } باعتقادهم التَّشبيه، لأنَّهم طلبوا ما يُتَصَوَّرُ في أنفسهم { قل بئس ما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين } هذا تكذيبٌ لهم في قولهم: نؤمن بما أنزل علينا، وذلك أنَّ آباءَهم ادَّعوا الإِيمان، ثمَّ عبدوا العجل، فقيل لهم: بئس الإيمان إيمانٌ يأمركم بالكفر، والمعنى: لو كنتم مؤمنين ما عبدتم العجل، يعني: آباءهم، كذلك أنتم لو كنتم مؤمنين بما أُنزل عليكم ما كذَّبتم محمَّداً.

{ قل إنْ كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إنْ كنتم صادقين } كانت اليهود تقول: لن يدخل الجنَّة إلاَّ مَنْ كان هوداً، فقيل لهم: إن كنتم صادقين فتمنَّوا الموت، فإنَّ مَنْ كان لا يشكُّ في أنَّه صائر إلى الجنَّةِ، فالجنَّةُ آثرُ عنده.

{ ولن يتمنوه أبداً } لأنَّهم عرفوا أنَّهم كفرةٌ، ولا نصيب لهم في الجنَّة، وهو قوله تعالى: { بما قدَّمت أيديهم } أيْ: بما عملوا من كتمان أمر محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وتغيير نعته { واللَّهُ عليم بالظالمين } فيه معنى التَّهديد.

{ ولتجدنهم } يا محمَّدُ، يعني:علماءَ اليهود { أحرص الناس على حياةٍ } لأنَّهم علموا أنَّهم صائرون إلى النَّار إذا ماتوا؛ لما أتوا به في أمر محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم { ومن الذين أشركوا } أَيْ: وأحرص من منكري البعث، ومَنْ أنكر البعث أحبَّ طول العمر؛ لأنَّه لا يرجو بعثاً، فاليهود أحرص منهم؛ لأنَّهم علموا ما جنوا فهم يخافون النَّار { يودُّ أحدهم } أَيْ: أحد اليهود { لو يعمَّرُ ألف سنة } لأنَّه يعلم أنَّ آخرته قد فَسَدَتْ عليه { وما هو } أَيْ: وما أحدهم { بمزحزحه } بِمُبْعِدِهِ من { العذاب أن يعمَّر } تعميره.

{ قل مَنْ كان عدواً لجبريل } سألت اليهود نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم عن مَنْ يأتيه من الملائكة؟ فقال: جبريل، فقالوا: هو عدوُّنا، ولو أتاك ميكائيل آمنَّا بك، فأنزل الله هذه الآية، والمعنى: قل مَنْ كان عدوَّاً لجبريل فليمت غيظاً { فإنه نزله } أَيْ: نزَّل القرآن { على قلبك بإذن الله } بأمر الله { مصدقاً } موافقاً لما قبله من الكتب { وهدىًَ وبشرى للمؤمنين } ردٌّ على اليهود حين قالوا: إنَّ جبريل ينزل بالحرب والشِّدَّة، فقيل: إنَّه - وإنْ كان ينزل بالحرب والشدَّة على الكافرين - فإنه ينزل بالهدى والبشرى للمؤمنين.