الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } * { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } * { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ }

{ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفَّينا من بعده الرسل } أَيْ: وأرسلنا رسولاً بعد رسول { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } يعني: ما أُوتي من المعجزة { وأيدناه } وقوَّيناه { بِرُوحِ القدس } بجبريل عليه السَّلام، وذلك أنَّه كان قرينه يسير معه حيث سار، يقول: فعلنا بكم كلَّ هذا فما استقمتم؛ لأنَّكم { كلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم } ثمَّ تعظَّمتم عن الإِيمان به { ففريقاً كذَّبتم } مثل عيسى ومحمَّدٍ عليهما السَّلام { وفريقاً تقتلون } مثل يحيى وزكريا عليهما السَّلام.

{ وقالوا قلوبنا غلفٌ } هو أنَّ اليهود قالوا استهزاءً وإنكاراً لما أتى به محمد عليه السَّلام: قلوبنا غلفٌ عليها غشاوةٌ، فهي لا تعي ولا تفقه ما تقول، وكلُّ شيءٍ في غلافٍ فهو أغلف، وجمعه: غُلْف، ثمَّ أكذبهم الله تعالى فقال: { بل لعنهم الله } أَيْ: أبعدهم من رحمته فطردهم { فقليلاً ما يؤمنون } أَيْ: فبقليلٍ يؤمنون بما في أيديهم. وقال قتادة: " فقليلاً ما يؤمنون " ، أَيْ: ما يؤمن منهم إلاَّ قليلٌ، كعبد الله بن سلام.

{ ولما جاءهم كتاب } يعني: القرآن { مصدِّق } موافقٌ { لما معهم } { وكانوا } يعني: اليهود { من قبل } نزول الكتاب { يستفتحون } يستنصرون { على الذين كفروا } بمحمد عليه السَّلام وكتابه، ويقولون: اللَّهم انصرنا بالنَّبيِّ المبعوث في آخر الزَّمان { فلما جاءهم ما عرفوا } يعني: الكتاب وبعثة النبيّ { كفروا } ثمَّ ذمَّ صنيعهم فقال:

{ بئس ما اشتروا به أنفسهم } أَيْ: بئس ما باعوا به حظَّ أنفسهم من الثَّواب بالكفر بالقرآن { بغياً } أَيْ: حسداً { أن ينزل الله } أَيْ: إنزال الله { من فضله على من يشاء من عباده } وذلك أنَّ كفر اليهود لم يكن من شكٍّ والا اشتباهٍ، وإنَّما كان حسداً حيث صارت النُّبوَّة في ولد إسماعيل عليه السَّلام { فباؤوا } فانصرفوا واحتملوا { بغضب } من الله عليهم لأجل تضييعهم التَّوراة { على غضب } لكفرهم بالنَّبي محمَّد صلى الله عليه وسلم والقرآن.

{ وإذا قيل } لليهود { آمنوا بما أنزل الله } بالقرآن { قالوا نؤمن بما أنزل علينا } يعني: التَّوراة { ويكفرون بما وراءه } بما سواه { وهو الحقُّ } يعني: القرآن { مصدِّقاً لما معهم } موافقاً للتَّوراة، ثمَّ كذَّبَهم الله تعالى في قولهم: نؤمن بما أنزل علينا بقوله: { فلمَ تقتلون أنبياء الله } أَيْ: أيُّ كتابٍ جُوِّز فيه قتلُ نبيٍّ؟! [ { إن كنتم مؤمنين } شرطٌ، وجوابه ما قبله]، ثمَّ ذكر أنَّهم كفروا بالله تعالى مع وضوح الآيات في زمن موسى عليه السَّلام فقال:

{ ولقد جاءكم موسى بالبينات } يعني: العصا واليد وفلق البحر { ثمَّ اتخذتم العجل من بعده } إلهاً { وأنتم ظالمون }.