فقالوا: { يا موسى لن نصبر على طعام واحد } يعني: المنَّ الذي كانوا يأكلونه والسَّلوى، فكانا طعاماً واحداً { فادع لنا ربك } سله وقل له: أَخرِجْ { يُخرجْ لنا مما تنبت الأرض من بقلها } وهو كلُّ نباتٍ لا يبقى له ساقٌ { وقثائها } وهو نوعٌ من الخضروات { وفومها } وهو الحنطة، فقال لهم موسى عليه السَّلام: { أتستبدلون الذي هو أدنى } أَيْ: أخسُّ وأوضع { بالذي هو خيرٌ } أَي: أرفع وأجلُّ؟ فدعا موسى عليه السَّلام فاستجبنا له وقلنا لهم: { اهبطوا مصراً }: أنزلوا بلدةً من البلدان { فإنَّ [لكم ما سألتم } أَيْ: فإنَّ] الذي سألتم لا يكون إلاَّ في القرى والأمصار { وضُربت عليهم } أَيْ: على اليهود الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم { الذلَّة } يعني: الجزيةَ وزيَّ اليهوديَّة، ومعنى ضرب الذِّلة: إلزامهم إيَّاها إلزاماً لا يبرح { والمسكنة } زي الفقر وأثر البؤس { وباؤوا } احتملوا وانصرفوا { بغضب من الله ذلك } أَيْ: ذلك الضَّرب والغضب { بأنّهم كانوا يكفرون بآيات الله } التي أُنزلت على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم { ويقتلون النَّبيين } أَيْ: يتولَّون أولئك الذين فعلوا ذلك { بغير حق } أَيْ: قتلاً بغير حقٍّ، يعني: بالظُّلم { ذلك } الكفر والقتل بشؤم ركوبهم المعاصي وتجاوزهم أمر الله تعالى. { إن الذين آمنوا } أَيْ: بالأنبياء الماضين ولم يؤمنوا بك { والذين هادوا } دخلوا في دين اليهوديَّة { والنصارى والصابئين } الخارجين من دين إلى دين، وهم قومٌ يعبدون النُّجوم { مَنْ آمن } من هؤلاء { بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً } بالإيمان بمحمَّدٍ عليه السَّلام؛ لأنَّ الدليل قد قام أنَّ مَنْ لم يؤمن به لا يكون عمله صالحاً { فلهم أجرهم عند ربِّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون }. { وإذ أخذنا ميثاقكم } بالطَّاعة لله تعالى والإيمان بمحمَّدٍ عليه السَّلام في حال رفع الطُّور فوقكم، يعني: الجبل، وذلك لأنَّهم أبوا قبول شريعة التَّوراة، فأمر الله سبحانه جبلاً فانقلع من اصله حتى قام على رؤوسهم، فقبلوا خوفاً من أن يُرضخوا على رؤوسهم بالجبل، وقلنا لكم: { خذوا ما آتيناكم } اعملوا بما أُمرتم به { بقوَّةٍ } بجدٍّ ومواظبةٍ على طاعة الله عزَّ وجلَّ { واذكروا ما فيه } من الثَّواب والعقاب { لعلكم تتقون }.