الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ مثلُ الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله... } الآية، أَيْ: مَثلُ صدقاتهم وإنفاقهم { كمثل حبَّةٍ أنبتت سبع سنابل... } الآية، يريد أنَّه يضاعف الواحد بسبع مائةٍ، وجعله كالحبَّة تنبت سبع مائة حبَّةٍ، ولا يشترط وجود هذا؛ لأنَّ هذا على ضرب المثل.

{ الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منَّاً... } الآية، وهو أن يقول: أحسنتُ إلى فلانٍ ونعشته، وجبرت خلله، يمنُّ بما فعل { ولا أذىً } وهو أن يذكر إحسانه لمن لا يحبُّ الذي أُحسن إليه وقوفه عليه.

{ قول معروفٌ } كلامٌ حسنٌ وردٌّ على السَّائل جميل { ومغفرة } أَيْ: تجاوزٌ عن السَّائل إذا استطال عليه عند ردِّه { خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذى } أَيْ: مَنٌّ وتعييرٌ للسَّائل بالسُّؤال، { والله غنيٌّ } عن صدقة العباد { حليم } إذ لم يعجِّل بالعقوبة على مَنْ يمنُّ.

{ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم } أَيْ: ثوابها { بالمنِّ } وهو أنْ يمنَّ بما أعطى { والأذى } وهو أن يوبِّخ المُعطي المُعطى له { كالذي ينفق } أَيْ: كإبطاله رياء النَّاس، وهو المُنافق يعطي ليوهم أنَّه مؤمنٌ { فمثله } أَيْ: مَثلُ هذا المنافق { كمثل صفوانٍ } وهو الحجر الأملس { عليه ترابٌ فأصابه وابل } مطرٌ شديدٌ { فتركه صلداً } برَّاقاً أملس. وهذا مَثلٌ ضربه الله تعالى للمانِّ والمنافق، يعني: إنَّ النَّاس يرون في الظَّاهر أنَّ لهؤلاء أعمالاً كما يُرى التُّراب على هذا الحجر، فإذا كان يوم القيامة اضمحلَّ كلُّه وبطل، كما أذهب الوابل ما كان على الصفوان، فلا يقدر أحدٌ من الخلق على ذلك التُّراب، كذلك هؤلاء إذا قدموا على ربِّهم لم يجدوا شيئاً، وهو قوله جلَّ وعزَّ: { لا يقدرون على شيء } أَيْ: على ثواب شيءٍ { مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين } لا يجعل جزاءهم على كفرهم أن يهديهم، [ثمَّ ضرب مثلاً لمن ينفق يريد ما عند الله ولا يمنُّ ولا يؤذي فقال]:

{ ومَثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً } أَيْ: يقيناً وتصديقاً { من أنفسهم } بالثَّواب لا كالمنافق الذي لا يؤمن بالثَّواب { كمثل جنة بربوةٍ } وهي ما ارتفع من الأرض، وهي أكثر ريعاً من المستفل { أصابها وابلٌ } وهو أشدُّ المطر { فآتت } أعطت { أكلها } ما يؤكل منها { ضِعْفَيْن } أَيْ: حملت في سنة من الرَّيع ما يحمل غيرها في سنتين { فإن لم يصبها وابلٌ } وهو أشدُّ المطر، وأصابها طلٌّ وهو المطر الضعيف، فتلك حالها في البركة، يقول: كما أنَّ هذه الجنَّة تُثمر في كلِّ حالٍ ولا يخيب صاحبها قلَّ المطر أو كَثُر، كذلك يضعف الله ثواب صدقة المؤمن قلَّت نفقته أم كثرت، ثمَّ قرَّر مَثَل المُرائي في النَّفقة والمُفرِّط في الطَّاعة إلى أَنْ يموت.