الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ } * { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ إنَّ الله لا يَسْتَحْيى... } الآية. لمَّا ضرب الله سبحانه المَثل للمشركين بالذُّباب والعنكبوت في كتابه ضحكت اليهود، وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله سبحانه، فأنزل الله تعالى: { إنَّ الله لا يَسْتَحْى } لا يترك ولا يخشى { أن يضرب مثلاً } أَنْ يُبيِّنَ شبهاً { ما بعوضةً } " ما " زايدةٌ مؤكِّدة، والبعوض: صغار البق، الواحدة: بعوضة. { فما فوقها } يعني: فما هو أكبر منها، والمعنى: إنَّ الله تعالى لا يترك ضرب المثل ببعوضةٍ فما فوقها إذا علم أنَّ فيه عبرةُ لمن اعتبر، وحجَّةً على مَنْ جحد [واستكبر] { فأمَّا الذين آمنوا فيعلمون } أنَّ المثل وقع في حقِّه، { وأَمَّا الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً } أَيْ: أَيُّ شيءٍ أراد الله بهذا من الأمثال؟ والمعنى أنَّهم يقولون: أَيُّ فائدةٍ في ضرب الله المثل بهذا؟ فأجابهم الله سبحانه فقال: { يضلُّ به كثيراًً } أَيْ: أراد الله بهذا المثل أن يضلَّ به كثيراً من الكافرين، وذلك أنَّهم يُنكرونه ويُكذِّبونه { ويهدي به كثيراً } من المؤمنين، لأنَّهم يعرفونه ويصدِّقونه { وما يضلُّ به إلاَّ الفاسقين } الكافرين الخارجين عن طاعته.

{ الذين ينقضون } يهدمون ويفسدون { عهدَ الله }: وصيته وأمره في الكتب المتقدِّمة بالإِيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم { من بعد ميثاقه } من بعد توكيده عليهم بإيجابه ذلك { ويقطعون ما أمرَ الله به أَنْ يوصل } يعني: الرَّحم، وذلك أنَّ قريشاً قطعوا رحم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمعاداة معه { ويفسدون في الأرض } بالمعاصي وتعويق النَّاس عن الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم { أولئك هم الخاسرون } [مغبونون] بفوت المثوبة، والمصيرِ إلى العقوبة.

{ كيف تكفرون بالله } معنى " كيف " ها هنا استفهامٌ في معنى التَّعجُّب للخلقِ، أَي: اعجبوا من هؤلاء كيف يكفرون بالله وحالُهم أنَّهم كانوا تراباً فأحياهم، بأَنْ خلق فيهم الحياة، فالخطاب للكفَّار، والتَّعجب للمؤمنين، وقوله تعالى: { ثم يميتكم } أَيْ: في الدُّنيا { ثمَّ يُحييكم } [في الآخرة] للبعث { ثمَّ إليه ترجعون } تردُّون فيفعل بكم ما يشاء، فاستعظم المشركون أمر البعث والإعادة، فاحتجَّ الله سبحانه عليهم بخلق السَّموات والأرض، فقال:

{ هو الذي خلق لكم } لأجلكم { ما في الأرض جميعاً } بعضها للانتفاع، وبعضها للاعتبار، { ثمَّ استوى إلى السَّماء }: أقبل على خلقها، وقصد إليها { فسوَّاهنَّ سبع سموات } فجعلهنَّ سبع سمواتٍ مُستوياتٍ لا شقوق فيها ولا فطور ولا تفاوت { وهو بكلِّ شيءٍ عليم } إذ بالعلم يصحُّ الفعل المحكم.