الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } * { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

{ ويسألونك عن المحيض } [ذكر المفسرون أنَّ العرب كانت إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها، ولم يَسَّاكَنُوا معها في بيت، كفعل المجوس] فسأل أبو الدَّحداح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف نصنع بالنِّساء إذا حضن؟ فنزلت هذه الآية، والمحيض: الحيض { قل هو أذىً } أَيْ: قذرٌ ودمٌ { فاعتزلوا النساء في المحيض } أَيْ: مجامعتهنَّ إذا حضن { ولا تقربوهنَّ } أَيْ: ولا تجامعوهنَّ { حتى يَطْهُرْنَ } أي: يغتسلن، ومَنْ قرأ: { يَطْهُرْنَ } بالتَّخفيف، أَيْ: ينقطع عنهنَّ الدَّم، أَيْ: توجد الطَّهارة وهي الغسل { فإذا تطهَّرن } اغتسلن { فأتوهنَّ } أَيْ: جامعوهنَّ { من حيث أمركم الله } بتجنُّبه في الحيض - وهو الفرج - { إنَّ الله يحب التوابين } من الذُّنوب و { المتطهرين } بالماء من الأحداث والجنابات.

{ نساؤكم حرثٌ لكم } أَيْ: مزرعٌ ومنبتٌ للولد { فأتوا حرثكم أنى شئتم } أَيْ: كيف شئتم ومن أين شئتم بعد أن يكون في صِمام واحدٍ، فنزلت هذه الآية تكذيباً لليهود، وذلك أنَّ المسلمين قالوا: إِنَّا نأتي النِّساء باركاتٍ وقائماتٍ ومستلقياتٍ، ومن بين أيديهنَّ، ومن خلفهنَّ بعد أن يكون المأتي واحداً، فقالت اليهود: ما أنتم إلاَّ أمثال البهائم، لكنَّا نأتيهنَّ على هيئةٍ واحدةٍ، وإنَّا لنجد في التَّوراة أنَّ كلَّ إِتيانٍ يؤتى النِّساء غير الاستلقاء دنسٌ عند الله، فأكذب الله تعالى اليهود { وقدموا لأنفسكم } أَي: العمل لله بما يحبُّ ويرضى { واتقوا الله } فيما حدَّ لكم من الجماع وأمرِ الحائض { واعلموا أنكم ملاقوه } أَيْ: راجعون إليه { وبشر المؤمنين } الذين خافوه وحذروا معصيته.

{ ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم } أَيْ: لا تجعلوا اليمين بالله سبحانه علَّةً مانعةً من البرِّ والتَّقوى من حيث تتعمَّدون اليمين لتعتلُّوا بها. نزلت في عبد الله بن رواحة حلف أن لا يُكلِّم ختنه، ولا يدخل بينه وبين خصم له، جعل يقول: قد حلفتُ أَنْ لا أفعل فلا يحلُّ لي، وقوله: { أن تبروا } أَي: في أَنْ لا تبرُّوا، أو لدفع أن تبرُّوا، ويجوز أن يكون قوله: { أن تبروا } ابتداءً، وخبره محذوف على تقدير: أن تبرُّوا وتتقوا وتصلحوا بين النَّاس أولى، أَي: البرُّ والتُّقى أولى. { والله سيمعٌ عليمٌ } يسمع أيمانكم، ويعلم ما تقصدون بها.

{ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } أَيْ: ما يسبق به اللِّسان من غير عقدٍ ولا قصدٍ، ويكون كالصِّلة للكلام، وهو مِثلُ قول القائل: لا والله، وبلى واللَّهِ. وقيل: لغو اليمين: اليمينُ المكفَّرة، سمِّيت لغواً لأنَّ الكفَّارة تُسقط الإِثم منه { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } أَيْ: عزمتم وقصدتم، وعلى القول الثاني في لغو اليمين معناه: ولكن يؤاخذكم بعزمكم على ألا تبرُّوا وتعتلُّوا في ذلك بأيمانكم بأنَّكم حلفتم { والله غفورٌ حليم } يؤخِّر العقوبة عن الكفَّار والعُصاة.

{ للذين يؤلون من نسائهم } أَيْ: يحلفون أن لا يطؤوهنَّ { تربص أربعة أشهر } جعل الله تعالى الأجل في ذلك أربعة أشهر، فإذا مضت هذه المدَّة فإمَّا أن يُطلِّق أو يطأ، فإن أباهما جميعاً طلَّق عليه الحاكم { فإن فاؤوا } رجعوا عمَّا حلفوا عليه، أَيْ: بالجماع { فإنَّ الله غفورٌ رحيم } يغفر له ما قد فعل، [ولزمته كفَّارة اليمين].

{ وإن عزموا الطلاق } أَيْ: طلَّقوا ولم يفيؤوا بالوطء { فإنَّ الله سميع } لما يقوله { عليمٌ } بما يفعله.