الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }

{ كتب عليكم القتال } فُرض وأوجب عليكم الجهاد { وهو كرهٌ لكم } أَيْ: مشقَّةٌ عليكم لما يدخل منه على النَّفس والمال { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم } لأنَّ في الغزو إحدى الحسنيين؛ إمَّا الظفر والغنيمة؛ وإمَّا الشَّهادة والجنَّة { وعسى أن تحبُّوا شيئاً } أَيْ: القعود عن الغزو { وهو شرٌّ لكم } لما فيه من الذُّل والفقر، وحرمان الغنيمة والأجر { والله يعلم } ما فيه مصالحكم، فبادروا إلى ما يأمركم به وإنْ شقَّ عليكم.

{ يسألونك عن الشهر الحرام } نزلت في سريةٍ بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلوا المشركين وقد أهلَّ هلال رجب وهم لا يعلمون ذلك، فاستعظم المشركون سفك الدِّماء في رجب، فأنزل الله تعالى: { يسألونك } يعني: المشركين. وقيل: هم المسلمون { عن الشهر الحرام قتالٍ فيه } أَيْ: وعن قتالٍ فيه { قل قتالٌ فيه كبير } ثمَّ ابتدأ فقال: { وصد } ومنعٌ { عن سبيل الله } أَيْ: طاعته. يعني: صدَّ المشركين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت الحرام عام الحديبية { وكفر به } بالله { والمسجد الحرام } أَيْ: وصدٌّ عن المسجد الحرام { وإخراج أهله } أَيْ: أهل المسجد. يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين أُخرجوا من مكَّة { منه أكبرُ } وأعظم وِزْراً { عند الله والفتنة } أَيْ: والشِّرك { أكبر من القتل } يعني: قتل السِّرية المشركين في رجب { ولا يزالون } يعني: المشركين { يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم } إلى الكفر { إن استطاعوا ومن يَرْتَدِدْ منكم عن دينه } الإِسلام، أَيْ: يرجع فيموت على الكفر { فأولئك حبطت أعمالهم... } الآية. [بطلت أعمالهم]. فقال هؤلاء السَّرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبنا القوم في رجب، أنرجو أن يكون لنا أجر المجاهدين في سبيل الله؟ فأنزل الله تعالى:

{ إنَّ الذين آمنوا والذين هاجروا } فارقوا عشائرهم وأوطانهم { وجاهدوا } المشركين { في سبيل الله } في نصرة دين الله { أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } غفر لهؤلاء السِّرية ما لم يعلموا ورحمهم، والإِجماعُ اليوم منعقدٌ على أنَّ قتال المشركين يجوز في جميع الأشهر حلالها وحرامها.

{ يسألونك عن الخمر والميسر } نزلت في عُمَر، ومعاذٍ، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر؛ فإنَّهما مَذْهَبةٌ للعقل، مَسْلَبةٌ للمال، فنزلت قوله عزَّ وجلَّ { يسألونك عن الخمر } وهو كلُّ مسكرٍ مخالطٍ للعقل مُغطٍّ عليه { والميسر }: القمار { قل فيهما إثم كبير } يعني: الإِثم بسببهما لما فيهما من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش والزُّور وغير ذلك { ومنافع للناس } ما كانوا يصيبونه من المال في بيع الخمر والتِّجارة فيها، واللَّذَّة عند شربها، ومنفعةُ الميسر ما يُصاب من القمار، ويرتفق به الفقراء، ثمَّ بيَّن أنَّ ما يحصل بسببهما من الإِثم أكبر من نفعهما، فقال { وإثمهما أكبر من نفعهما } ، وليست هذه الآيةُ المُحرِّمةَ للخمر والميسر، إنَّما المُحرِّمةُ التي في سورة المائدة، وهذه الآية نزلت قبل تحريمها.

السابقالتالي
2