{ يكاد البرقُ يخطف أبصارهم } هذا تمثيلٌ آخر، يقول: يكاد ما في القرآن من الحجج يخطف قلوبهم من شدَّة إزعاجها إلى النَّظر في أمر دينهم { كلما أضاءَ لهم مشوا فيه }: كُلَّما سمعوا شيئاً ممَّا يُحبّون صدَّقوا، وإذا سمعوا ما يكرهون وقفوا، وذلك قولُه عزَّ وجلَّ: { وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } أَيْ: بأسماعهم الظَّاهرة، وأبصارهم الظَّاهرة، كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة حتى صاروا صُمَّاً عُمياً، فليحذروا عاجل عقوبة الله سبحانه وآجلها، فـ { إنَّ الله على كل شيء قديرٌ } من ذلك. { يا أيُّها النَّاس } يعني: أهل مكَّة { اعبدوا ربَّكم }: اخضعوا له بالطَّاعة { الذي خلقكم }: ابتدأكم ولم تكونوا شيئاً { والذين من قبلكم } [آباءكم] [وخلق الذين من قبلكم]. أي: إنَّ عبادة الخالق أولى من عبادة المخلوق وهو الصَّنم { لعلَّكم تتقون } لكي تتقوا بعبادته عقوبته أن تحلَّ بكم. { الذي جعل لكم الأرض فراشاً } بساطاً، لم يجعلها حَزْنةً غليظةً لا يمكن الاستقرار عليها { والسماء بناءً } سقفاً { وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات } يعني: حمل الأشجار جميع ما ينتفع به ممَّا يخرج من الأرض { فلا تجعلوا لله أنداداً }: أمثالاً من الأصنام التي تعبدونها { وأنتم تعلمون } أنَّهم لا يخلقون، والله هو الخالق، وهذا احتجاجٌ عليهم في إثبات التَّوحيد، ثمَّ احتجَّ عليهم في إثبات نبوَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم به، فقال: { وإنْ كنتم في ريب مما نزلنا } [أي: وإن كنتم] في شكٍّ من صدق هذا الكتاب الذي أنزلناه على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وقلتم: لا ندري هل هو من عند الله أم لا { فأتوا بسورة } من مثل هذا القرآن في الإِعجاز، وحسن النَّظم، والإِخبار عمَّا كان وما يكون، { وادعوا شهداءكم } واستعينوا بآلهتكم التي تدعونها { من دون الله إن كنتم صادقين } أنَّ محمداً تقوَّله من نفسه. { فإنْ لم تفعلوا } هذا فيما مضى، { ولن تفعلوا } هُ أيضاً فيما يُستقبل أبداً { فاتقوا } فاحذروا أن تصلوا { النَّار التي وقودها } ما يُوقد به { الناسُ والحجارة } يعني حجارة الكبريت، وهي أشدُّ لاتِّقادها { أعدَّت } [خُلقت وهُيِّئت] جزاءً { للكافرين } بتكذيبهم، ثمَّ ذكر جزاء المؤمنين فقال: { وبشِّر الذين آمنوا } أَيْ: أخبرهم خبراً يظهر به أثر السُّرور على بشرتهم { وعملوا الصالحات } أَي: الأعمال الصَّالحات، يعني الطَّاعات فيما بينهم وبين ربِّهم { أنَّ لهم }: بأنَّ لهم { جناتٍ }: حدائق ذات الشِّجر { تجري من تحتها } من تحت أشجارها ومساكنها { الأنهار } { كلما رزقوا }: أُطعموا من تلك الجنَّات ثمرةً { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل } لتشابه منا يُؤتون به، وأرادوا: هذا من نوع ما رُزقنا من قبل { وأتوا به متشابهاً } في اللَّون والصُّورة، مختلفاً في الطَّعم، وذلك أبلغ في باب الإِعجاب { ولهم فيها أزواجٌ }: من الحور العين والآدميات { مطهرةٌ } عن كلِّ أذىً وقذرٍ ممَّا في نساء الدُّنيا، ومن مساوىء الأخلاق، وآفات الشَّيب والهرم { وهم فيها خالدون } لأنَّ تمام النِّعمة بالخلود.