{ أم كنتم شهداء } ترك الكلام الأوَّل، وعاد إلى مُخاطبة اليهود. المعنى: بل أكنتم شهداء، أَيْ: حضوراً { إذ حضر يعقوب الموت } وذلك أنَّ اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ألستَ تعلم أنَّ يعقوب يوم مات ما أوصى بنيه باليهوديَّة؟ فأكذبهم الله تعالى، وقال: أكنتم حاضرين وصيته { إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي }. { تلك أمة } يعني: إبراهيم وبنيه، ويعقوب وبنيه { قد خلت } قد مضت { لها ما كسبت } من العمل { ولكم } يا معشر اليهود { ما كسبتم } أَيْ: حسابهم عليهم، وإنَّما تُسألون عن أعمالكم. { وقالوا كونوا هوداً أو نصارى } نزلت في يهود المدينة ونصارى نجران، قال كلُّ واحدٍ من الفريقين للمؤمنين: كونوا على ديننا فلا دين إلاَّ ذلك، فقال الله تعالى: { قل بل ملَّة إبراهيم حنيفاً } يعني: بل نتبع ملَّة إبراهيم حنيفاً مائلاً عن الأديان كلِّها إلى دين الإسلام، ثمَّ أمر المؤمنين أن يقولوا: { آمنا بالله وما أنزل إلينا } يعني: القرآن { وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } وهم أولاد يعقوب، وكان فيهم أنبياء لذلك قال: وما أنزل إليهم. وقوله تعالى: { لا نفرِّق بين أحدٍ منهم } أَيْ: لا نكفر ببعضٍ ونؤمن ببعضٍ، كما فعلت اليهود والنَّصارى. { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به } أَيْ: إِنْ أتوا بتصديقٍ مثلِ تصديقكم، وكان إيمانُهم كإيمانكم { فقد اهتدوا } فقد صاروا مسلمين { وإن تولوا } أعرضوا { فإنما هم في شقاق } في خلافٍ وعداوةٍ { فَسَيَكْفِيْكَهُمُ الله } ثمَّ فعل ذلك، فكفاه أمر اليهود بالقتل والسَّبي في قريظة، والجلاء والنَّفي في بني النَّضير، الجِزية والذَّلَّة في نصارى نجران. { صبغة الله } أَي: الزموا دين الله { ومَنْ أحسن من الله صبغة } أي: ومَنْ أحسنُ من الله ديناُ؟. { قل } يا محمَّدُ لليهود والنَّصارى: { أتحاجوننا في الله } أَتُخاصموننا في دين الله؟ وذلك أنَّهم قالوا: إنَّ ديننا هو الأقدم، وكتابنا هو الأسبق، ولو كنتَ نبيّاً لكنتَ منَّا { ولنا أعمالنا } نُجازى بحسنها وسيِّئها، وأنتم في أعمالكم على مثل سبيلنا { ونحن له مخلصون } مُوحِّدون.