الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

{ وإذا ابتلى إبراهيم ربُّه } اختبره: أَيْ: عامله معاملة المُختبِر { بكلماتٍ } هي عشر خصالٍ: خمسٌ في الرأس، وهي: الفرق، والمضمضة، والاستنشاق، والسِّواك، وقصُّ الشَّارب، وخمسٌ في الجسد، وهي: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء، ونتف الرُّفغين { فأتمهنَّ } أدَّاهنَّ تامَّاتٍ غير ناقصات { قال } الله تعالى: { إني جاعلك للناس إماماً } يقتدي بك الصَّالحون. فقال إبراهيم: { ومِنْ ذريتي } أَيْ: ومن أولادي أيضاً فاجعل أئمةً يُقتدى بهم، فقال الله عزَّ وجلَّ { لا ينال عهدي الظالمين } يريد: مَنْ كان من ولدك ظالماً لا يكون إماماً، ومعنى: { عهدي } أَيْ: نُبوَّتي.

{ وإذ جعلنا البيت } يعني: الكعبة { مثابةً للناس } معاداً يعودون إليه لا يقضون منه وطراً، كلَّما انصرفوا اشتاقوا إليه { وأَمْناً } أَيْ: مؤمناً، وكانت العرب يرى الرَّجل منهم قاتل أبيه في الحرم فلا يتعرَّض له، وأمَّا اليوم فلا يُهاج الجاني إذا التجأ إليه عند أهل العراق، وعند الشافعيِّ: الأولى أن لا يُهاج، فإنْ أُخيف بإقامة الحدِّ عليه جاز. وقد قال كثيرٌ من المفسرين: مَنْ شاء آمن، ومَنْ شاء لم يُؤمن، كما أنَّه لمَّا جعله مثابةً، مَنْ شاء ثاب، ومَنْ شاء لم يثب. { واتَّخذوا } أَيْ: النَّاس { من مقام إبراهيم } وهو الحجر الذي يُعرف بمقام إبراهيم، وهو موضع قدميه { مصلَّى } وهو أنَّه تُسنُّ الصَّلاة خلف المقام، قُرىء على هذا الوجه على الخبر، وقرىء بالكسر على الأمر. { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل } أمرناهما وأوصينا إليهما { أنْ طهِّرا بيتي } من الأوثان والرِّيَب [ { للطائفين } حوله، وهم النزائع إليه من آفاق الأرض { والعاكفين } أي: المقيمين فيه، وهم سكان الحرم { والركع } جمع راكع و { السجود } جمع ساجد؛ مثله: قاعد وقعود].

{ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا } أَيْ: هذا المكان وهذا الموضع { بلداً } مسكناً { آمناً } أَيْ: ذا أمنٍ لا يُصاد طيره، ولا يُقطع شجره ولا يُقتل فيه أهله. { وارزق أهله من الثمرات } أنواع حمل الشَّجر { مَنْ آمن منهم بالله واليوم الآخر } خَصَّ إبراهيم عليه السلام بطلب الرزق المؤمنين. قال تعالى: { وَمَنْ كفر فأمتعه قليلاً } فسأرزقه إلى منتهى أجله { ثمَّ أضطره } أُلجئه في الآخرة { إلى عذاب النار وبئس المصير } هي.

{ وإذ يرفع إبراهيم القواعد } أصول الأساس { من البيت وإسماعيل } ويقولان: { ربنا تقبلْ منَّا } تقرُّبنا إليك ببناء هذا البيت { إنك أنت السميع } لدعائنا { العليمُ } بما في قلوبنا.