الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } * { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } * { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } * { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } * { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } * { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } * { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } * { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } * { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } * { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } * { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } * { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }

{ فناداها من تحتها ألاَّ تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً } نهر ماءٍ جارٍ، وكان تحت الأكمة نهرٌ قد انقطع الماء منه، فأرسل الله سبحانه الماء فيه لمريم.

{ وهزي } وحرِّكي { إليك } إلى نفسك { بجذع النخلة تُسَاقط } النَّخلة { عليك رطباً جنياً } غضَّاً ساعةَ جُني، وذلك أنَّ الله تعالى أحيا لها تلك النَّخلة بعد يبسها، فأورقت وأثمرت وأرطبت.

{ فكلي } من الرُّطب { واشربي } من الماء السَّري { وقري عيناً } بولدك { فإمَّا ترينَّ من البشر أحداً } فسألك عن ولدك، ولامَك عليه { فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } صمتاً، أَيْ: قولي له: إني أوجبت على نفسي لله سبحانه أن لا أتكلَّم، وذلك أنَّ الله تعالى أراد أن يظهر براءتها من جهة عيسى عليه السَّلام يتكلَّم ببراءة أمِّه وهو في المهد، فذلك قوله: { فلن أكلم اليوم إنسياً }.

{ فأتت به } بعيسى بعد ما طهرت من نفاسها { قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً } عظيماً منكراً، ولداً من غير أبٍ!

{ يا أخت هارون } كان لها أخٌ صالحٌ من جهة أبيها يسمَّى هارون. وقيل: هارون رجلٌ صالحٌ كان من أمثل بني إسرائيل، فقيل لمريم: يا شبيهته في العفاف { ما كان أبوك } عمران { امْرَأَ سوء } زانٍ { وما كانت أمك } حنَّة { بغياً } زانيةً، فمن أين لك هذا الولد من غير زوجٍ؟

{ فأشارت } إلى عيسى بأن يجعلوا الكلام معه، فتعجَّبوا من ذلك وقالوا: { كيف نكلم من كان في المهد صبياً } يعني: رضيعاً في الحِجْر.

{ قال } عيسى عند ذلك: { إني عبد الله } أقرَّ على نفسه بالعبوديَّة لله سبحانه { آتاني الكتاب } علَّمني التَّوراة. وقيل: الخطَّ.

{ وجعلني نبياً وجعلني مباركاً } معلِّماً للخير أدعو إلى الله تعالى { أينما كنت وأوصاني بالصلاة } أمرني بالصلاة { والزَّكاة } الطَّهارة { ما دمت حيَّاً }.

{ وبرَّاً } لطيفاً { بوالدتي }.

{ والسلام عليَّ يوم ولدت... } الآية. أَيْ: السَّلامة عليَّ من الله تعالى في هذه الأحوال.

{ ذلك عيسى ابنُ مريم } أَيْ: الذي قال: { إني عبد الله آتاني الكتاب... } الآية، هو عيسى ابن مريم لا ما يقول النَّصارى مِنْ أنَّه إله، وإنَّه ابن الله، { قول الحق } أيْ: هذا الكلام قول الحقِّ، والحقُّ: هو الله سبحانه. وقيل: معنى قول الحقِّ: أنَّه كلمةُ الله { الذي فيه يمترون } يشكُّون. يعني: اليهود، يقولون: إنَّه لِزَنيةٍ، وإنَّه كذَّاب ساحر، ويقول النَّصارى: إنَّه ابن الله.

{ ما كان لله } ما ينبغي له سبحانه { أن يتخذ من ولد } أَيْ: ولداً { سبحانه } تنزيهاً له عن ذلك { إذا قضى أمراً } أراد كونه { فإنَّما يقول له كن فيكون } كما قال لعيسى: كن فكان من غير أبٍ.