{ فناداها من تحتها ألاَّ تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً } نهر ماءٍ جارٍ، وكان تحت الأكمة نهرٌ قد انقطع الماء منه، فأرسل الله سبحانه الماء فيه لمريم. { وهزي } وحرِّكي { إليك } إلى نفسك { بجذع النخلة تُسَاقط } النَّخلة { عليك رطباً جنياً } غضَّاً ساعةَ جُني، وذلك أنَّ الله تعالى أحيا لها تلك النَّخلة بعد يبسها، فأورقت وأثمرت وأرطبت. { فكلي } من الرُّطب { واشربي } من الماء السَّري { وقري عيناً } بولدك { فإمَّا ترينَّ من البشر أحداً } فسألك عن ولدك، ولامَك عليه { فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } صمتاً، أَيْ: قولي له: إني أوجبت على نفسي لله سبحانه أن لا أتكلَّم، وذلك أنَّ الله تعالى أراد أن يظهر براءتها من جهة عيسى عليه السَّلام يتكلَّم ببراءة أمِّه وهو في المهد، فذلك قوله: { فلن أكلم اليوم إنسياً }. { فأتت به } بعيسى بعد ما طهرت من نفاسها { قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً } عظيماً منكراً، ولداً من غير أبٍ! { يا أخت هارون } كان لها أخٌ صالحٌ من جهة أبيها يسمَّى هارون. وقيل: هارون رجلٌ صالحٌ كان من أمثل بني إسرائيل، فقيل لمريم: يا شبيهته في العفاف { ما كان أبوك } عمران { امْرَأَ سوء } زانٍ { وما كانت أمك } حنَّة { بغياً } زانيةً، فمن أين لك هذا الولد من غير زوجٍ؟ { فأشارت } إلى عيسى بأن يجعلوا الكلام معه، فتعجَّبوا من ذلك وقالوا: { كيف نكلم من كان في المهد صبياً } يعني: رضيعاً في الحِجْر. { قال } عيسى عند ذلك: { إني عبد الله } أقرَّ على نفسه بالعبوديَّة لله سبحانه { آتاني الكتاب } علَّمني التَّوراة. وقيل: الخطَّ. { وجعلني نبياً وجعلني مباركاً } معلِّماً للخير أدعو إلى الله تعالى { أينما كنت وأوصاني بالصلاة } أمرني بالصلاة { والزَّكاة } الطَّهارة { ما دمت حيَّاً }. { وبرَّاً } لطيفاً { بوالدتي }. { والسلام عليَّ يوم ولدت... } الآية. أَيْ: السَّلامة عليَّ من الله تعالى في هذه الأحوال. { ذلك عيسى ابنُ مريم } أَيْ: الذي قال: { إني عبد الله آتاني الكتاب... } الآية، هو عيسى ابن مريم لا ما يقول النَّصارى مِنْ أنَّه إله، وإنَّه ابن الله، { قول الحق } أيْ: هذا الكلام قول الحقِّ، والحقُّ: هو الله سبحانه. وقيل: معنى قول الحقِّ: أنَّه كلمةُ الله { الذي فيه يمترون } يشكُّون. يعني: اليهود، يقولون: إنَّه لِزَنيةٍ، وإنَّه كذَّاب ساحر، ويقول النَّصارى: إنَّه ابن الله. { ما كان لله } ما ينبغي له سبحانه { أن يتخذ من ولد } أَيْ: ولداً { سبحانه } تنزيهاً له عن ذلك { إذا قضى أمراً } أراد كونه { فإنَّما يقول له كن فيكون } كما قال لعيسى: كن فكان من غير أبٍ.