الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } * { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } * { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } * { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } * { فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } * { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } * { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } * { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً }

{ كلتا الجنتين آتت أكلها } أدَّت ريعها تامَّاً { ولم تظلم منه شيئاً } لم تنقص. { وفجرنا خلالهما } أخرجنا وسط الجنتين { نهراً }.

{ وكان له ثمر } وكان للأخ الكافر أموال كثيرة { فقال لصاحبه } لأخيه { وهو يحاوره } يراجعه في الكلام ويُجاذبه، وذلك أنَّه سأله عن ماله فيما أنفقه؟ فقال: قدَّمته بين يدي لأقدم عليه، فقال: { أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفراً } رهطاً وعشيرةً.

{ ودخل جنته } وذلك أنَّه أخذ بيد أخيه المسلم فأدخله جنَّته يطوف به فيها، وقوله: { وهم ظالم لنفسه } أَيْ: بالكفر بالله تعالى { قال: ما أظنُّ أن تبيد } تهلك { هذه أبداً } أنكر أنَّ الله سبحانه يفني الدُّنيا، وأنَّ القيامة تقوم فقال: { وما أظن الساعة قائمة، ولئن رددت إلى ربي } يريد: إن كان البعث حقَّاً { لأجدنَّ خيراً منها منقلباً } كما أعطاني هذا في الدُّنيا سيعطيني في الآخرة أفضل منه، فقال له أخوه المسلم:

{ أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة } في رحم أُمِّك { ثم سوَّاك رجلاً } جعلك معتدل الخلق والقامة.

{ لكنا } لكن أنا { هو الله ربي... } الآية.

{ ولولا } وهلاَّ { إذْ دخلت جنتك قلت ما شاء الله } أي: الأمر ما شاء الله، أَيْ: بمشيئة الله تعالى: { لا قوة إلاَّ بالله } لا يقوى أحدٌ على ما في يديه من ملكٍ ونعمةٍ إلاَّ بالله، هذا توبيخٌ من المسلم للكافر على مقالته، وتعليمٌ له ما يجب أن يقول، ثم رجع إلى نفسه فقال:

{ إن ترن أنا أقلَّ منك مالاً وولداً فعسى ربي أن يؤتين } في الآخرة، أو في الدُّنيا { خيراً من جنتك أو يرسل عليها } على جنَّتك { حسباناً من السماء } عذاباً يرميها به من بَرَدٍ أو صاعقةٍ { فتصبح صعيداً زلقاً } أرضاً لا نبات فيها.

{ أو يصبح ماؤها } يعني: النَّهر خلالها { غوراً } غائراً ذاهباً في الأرض { فلن تستطيع } لا تقوى { له طلباً } لا يبقى له أثرٌ تطلبه.

{ وأحيط بثمره } وأُهلكت أشجار المثمرة { فأصبح يقلب كفيه } يضرب يديه واحدةً على الأخرى ندامةً { على ما أنفق فيها وهي خاوية } ساقطةٌ { على عروشها } سقوفها وما عرش للكروم { ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً } تمنَّى أنَّه كان مُوحِّداً غير مشركٍ حين لم ينفعه التَّمني.

{ ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله } لم ينصره النَّفر الذين افتخر بهم حين قال: { وأعزُّ نفراً }. { وما كان منتصراً } بأن يستردَّ بدل ما ذهب منه، ثمَّ عاد الكلام إلى ما قبل القصة فقال:

{ هنالك } عند ذلك، يعني: يوم القيامة { الولاية لله الحق } يتولَّون الله ويؤمنون به، ويتبرَّؤون ممَّا كانوا يعبدون { هو خير ثواباً } أفضل ثواباً ممَّن يُرجى ثوابه { وخير عقباً } أَيْ: عاقبةُ طاعته خيرٌ من عاقبة طاعة غيره.