الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } * { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } * { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } * { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } * { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } * { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ ولقد كرَّمنا } فضَّلنا { بني آدم } بالعقل والنُّطق والتَّمييز { وحملناهم في البر } على الإِبل والخيل والبغال والحمير { و } في { البحر } على السُّفن { ورزقناهم من الطيبات } الثِّمار والحبوب والمواشي والسَّمن والزُّبد والحلاوى { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا } يعني: البهائم والدَّوابَّ والوحوش.

{ يوم ندعواْ } يعني: يوم القيامة { كلَّ أناسٍ بأمامهم } بنبيِّهم، وهو أن يقال: هاتوا مُتَّبعي إبراهيم عليه السَّلام، هاتوا مُتبَّعي موسى عليه السَّلام، هاتوا مُتَّبعي محمد عليه السَّلام، فيقوم أهل الحقِّ فيأخذون كتبهم بأيمانهم، ثمَّ يقال: هاتوا مُتَّبِعي الشَّيطان، هاتوا مُتَّبعي رؤساء الضَّلالة، وهذا معنى قول ابن عباس: إمام هدى وإمام ضلالة { ولا يظلمون } ولا ينقصون { فتيلاً } من الثَّواب، وهي القشرة التي في شقِّ النَّواة.

{ ومَنْ كان في هذه أعمى } في الدُّنيا أعمى القلب عمَّا يرى من قدرتي في خلق السَّماء والأرض والشَّمس والقمر وغيرهما { فهو في الآخرة } في أمر الآخرة ممَّا يغيب عنه { أعمى } أشدُّ عمىً { وأضلُّ سبيلاً } وأبعد حجَّةً.

{ وإن كادوا... } الآية. نزلت في وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: متِّعنا باللاَّت سنةً، وحرِّمْ وادينا كما حرَّمت مكَّة؛ فإنَّا نحبُّ أن تعرف العربُ فضلنا عليهم، فإنْ خشيت أن تقول العرب: أعطيتهم ما لم تعطنا فقل: الله أمرني بذلك، وأقبلوا يلحُّون على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وقد همَّ أنْ يعطيهم ذلك، فأنزل الله: { وإن كادوا } همُّوا وقاربوا { ليفتنونك } ليستزلُّونك { عن الذي أوحينا إليك } يعني: القرآن، والمعنى: عن حكمه، وذلك أنَّ في إعطائهم ما سألوا مخالفةً لحكم القرآن { لتفتري علينا غيره } أَيْ: لتختلق علينا أشياء غير ما أوحينا إليك، وهو قولهم: قل الله أمرني بذلك. { وإذاً } لو فعلت ما أرادوا { لاتخذوك خليلاً }.

{ ولولا أن ثبتناك } على الحقِّ بعصمتنا إيَّاك { لقد كدت تركن } تميل { إليهم شيئاً } ركوناً { قليلاً } ، ثمَّ توعَّد على ذلك لو فعله فقال:

{ إذاً لأذقناك ضعف الحياة } ضِعْفَ عذاب الدُّنيا { وضعف الممات } وضعف عذاب الآخرة. يعني: ضعف ما يعذِّب به غيره.

{ وإن كادوا لَيَسْتَفزٌّونَكَ } يعني: اليهود. قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ الأنبياء بُعثوا بالشَّام، فإنْ كنت نبيَّاً فالحق بها، فإنَّك إنْ خرجتَ إليها آمنَّا بك، فوقع ذلك في قلبه لحبِّ إيمانهم، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية، ومعنى ليستفزونك: ليزعجونك { من الأرض } يعني: المدينة { وإذا لا يلبثون خلافك إلاَّ قليلاً } أعلم الله سبحانه أنَّهم لو فعلوا ذلك لم يلبثوا حتى يستأصلوا، كسنَّتنا فيمن قبلهم.