{ ذرية } يا ذريَّةَ { مَنْ حملنا مع نوح } يعني: بني إسرائيل، وكانوا ذريَّةَ مَنْ كان في سفينة نوح عليه السَّلام، وفي هذا تذكيرٌ بالنِّعمة إذْ أنجى آباءهم من الغرق، ثمَّ أثنى على نوحٍ، فقال: { إنَّه كان عبداً شكوراً } كان إذا أكل حمد الله، وإذا لبس ثوباً حمد الله. { وقضينا إلى بني إسرائيل } أوحينا إليهم وأعلمناهم في كتابهم { لتفسدنَّ في الأرض مرتين } بالمعاصي وخلاف أحكام التَّوراة { ولتعلن علواً كبيراً } لتتعظمنَّ ولتبغُنَّ. { فإذا جاء وعد أولاهما } يعني: أوَّل مرَّة في الفساد { بعثنا عليكم } أرسلنا عليكم وسلَّطنا { عباداً لنا } يعني: جالوت وقومه { أولي بأسٍ شديد } ذوي قوَّةٍ شديدةٍ { فجاسوا خلال الديار } تردَّدوا وطافوا وسط منازلهم ليطلبوا مَنْ يقتلونهم { وكان وعداً مفعولاً } قضاءً قضاه الله تعالى عليهم. { ثمَّ رددنا لكم الكرَّة عليهم } نصرناكم، ورددنا الدَّولة لكم عليهم بقتل جالوت { وأمددناكم بأموالٍ وبنين } حتى عاد أمركم كما كان { وجعلناكم أكثر نفيراً } أكثر عدداً من عدوِّكم. { إن أحسنتم } أَيْ: وقلنا: إن أحسنتم { أحسنتم لأنفسكم } إن أطعتم الله فيما بقي عفا عنكم المساوىء { وإنْ أسأتم } بالفساد وعصيان الأنبياء وقتلهم { فلها } فعليها يقع الوبال. { فإذا جاء وعد الآخرة } المرَّة الأخيرة من إفسادكم وجواب " إذا " محذوف على تقدير: بعثناهم { لِيَسُوْءُوْا وجوهكم } وهو أنَّه بعث عليهم بختنصر، فسبى وقتل وخرب، ومعنى لِيَسُوْءُوْا وجوهكم: ليخزوكم خزياً يظهر أثره في وجوهكم، كسبي ذراريكم وإخراب مساجدكم { وليتبروا ما علوا } وليدمِّروا ويُخرِّبوا ما غلبوا عليه. { عسى ربكم } وهذا أيضاً ممَّا أُخبروا به في كتابهم، والمعنى: لعلَّ ربكم { أن يرحمكم } ويعفو عنكم بعد انتقامه منكم يا بني إسرائيل. { وإن عدتم } بالمعصية { عدنا } بالعقوبة، هذا في الدُّنيا، وأمَّا في الآخرة فقد { جعلنا جهنم للكافرين حصيراً } أَيْ: سجناً ومحبساً. { إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } يرشد إلى الحالة التي هي أعدل وأصوب، هي توحيد الله تعالى والإِيمان برسله { ويبشر المؤمنين } بأنَّ { لهم أجراً كبيراً } وأنَّ أعداءهم معذَّبون في الآخرة.